الذكرى الـ 89 لتأسيس الحزب الشيوعي السوري

في كل عام، في الثامن والعشرين من تشرين الأول، نفتح نافذة الذاكرة ونتطلع إلى عام ،1924 لنتذكر ذلك اليوم التاريخي في أواخر الربع الأول من القرن العشرين، يوم اجتمع خمسة من العمال والمثقفين، ووضعوا الحروف الأولى لتأسيس الحزب الشيوعي السوري – اللبناني. ومع شروق شمس الصباح أعلن المؤسسون في بيان عن تأسيس حزب العمال والفلاحين والمثقفين الثوريين.

وفي ست سنوات (1924 – 1930) شكل الحزب الخلايا الشيوعية في عديد القرى والمدن. وبدأ بناء الحزب يعلو في سماء الوطن وفوق أرضه الطيبة المعطاءة.

قطع حزبنا طوال هذه العقود مسافات طويلة (سهلة وشائكة.. علنية وسرية) متنقلاً من محطة إلى محطة، من جنوب البلاد إلى شمالها ومن شرقها إلى غربها.. وهو الحزب الذي عاصر مختلف العهود (الاستعمار الفرنسي وسيطرة الملاكين الكبار، ثم الاستقلال والجلاء، والانقلابات العسكرية والأنظمة الديكتاتورية..). مناضلاً في صفوف الطبقة العاملة ومبادراً وداعياً إلى تأسيس النقابات في أواسط ثلاثينيات القرن الماضي، مدافعاً صلباً عن حقوق العمال في تخفيض ساعات العمل وتأمين مطالبهم وحقوقهم في الطبابة والتعليم وتأمين السكن وغيرها. ومناضلاً ضد الإقطاع والملاكين الكبار.

وبرز رفاق نقابيون متفانون ومضحون في سبيل رغيف الخبز النظيف، والكرامة الإنسانية وحرية التعبير وحق التظاهر والتنظيم الحزبي والنقابي. وقدم الحزب الشهداء في المعارك الوطنية والطبقية من العمال والفلاحين والمثقفين والشباب.. وتعرض المئات من الرفاق والرفيقات المناضلات في تلك العهود، للاعتقال والسجن.

ورفع الحزب شعار (الأرض لمن يعمل عليها). وأصدر جريدة (الأرض للفلاح)، وساهم بفاعلية وشجاعة في إسقاط الملاكين الكبار وتوزيع الأراضي على الفلاحين.

تأتي الذكرى ال 89 في ظروف محلية وعربية وإقليمية ودولية معقدة.. فقد تعرضت سورية منذ ستة وثلاثين شهراً لأزمة، حدد حزبنا عوامل تشكلها وإحداثياتها السياسية والعسكرية والاقتصادية، والأطراف الإقليمية والجهات الدولية التي تمول بالمال والسلاح وتفتح معسكرات التدريب، وتصدّر الوهابيين والظلاميين والتكفيريين، الذين دمروا البنية التحتية ومارسوا مختلف أساليب وصنوف القتل والإرهاب وحاولوا إثارة الفتنة الطائفية.

وحدد الحزب رؤيته فقال: إنها أزمة مركبة – معقدة، تتداخل فيها عوامل داخلية اجتماعية واقتصادية، تتفاعل مع عناصر خارجية إقليمية ودولية.

وللخروج من الأزمة ما يزال حزبنا يؤكد في بياناته والبلاغات والتقارير الصادرة عن قيادته، أن الطريق للخروج منها يكمن في الحل السياسي، والحوار الديمقراطي بين جميع أطياف المجتمع السوري.

اليوم وفي هذه المناسبة، لا بدّ من استعادة الذاكرة التاريخية والوطنية، نضال ألوف الشيوعيين، وإعادة قراءة سياسة الحزب وموقفه في عشرات المحطات على هذه الطريق الطويلة، بما فيها من منعطفات وتعرجات وإيجابيات وأخطاء.. بحلوها ومرّها.

لقد كانت القضية الوطنية ومازالت هي الحلقة الأساسية في نضال الحزب. وحزبنا أول من رفع شعار الاشتراكية في سورية، ونشر الوعي الطبقي بين الكادحين.. وهو الذي أسس النقابات العمالية وناضل مع العمال والنقابيين الوطنيين لإصدار قانون العمل عام 1946. وربط الحركة النقابية السورية باتحاد النقابات العالمي الديمقراطي.

لقد تعرض الحزب للانقسامات في عقدي السبعينيات والثمانينيات. ورداً على ذلك رفع الحزب شعار (وحدة الشيوعيين السوريين). وانتقل الحزب من الشعار النظري إلى التطبيق العملي وأنجز عمليتين توحيديتين، كانت الأولى في المؤتمر السادس عام ،1987 والثانية في المؤتمر السابع الموحد عام 1991. وأصبح اسم الحزب بعد مؤتمره الحادي عشر (آذار 2011) (الحزب الشيوعي السوري الموحد) وثبت هذا الاسم بعد صدور قانون الأحزاب.

أكد حزبنا أن الماركسية – اللينينية هي المرشد في العمل، وأنها تشكل المصدر الرئيسي لفكره. وأن جوهر الماركسية هو المنهج المادي الجدلي والفهم المادي للتاريخ. ويسترشد الحزب بمنجزات العلم وبكل ما هو تقدمي في الفكر العربي والإنساني.

في هذه المناسبة الغالية على قلوب الشيوعيين، وفي ظل أزمة متفاقمة، رفع الحزب شعار(الدفاع عن الوطن). ويعمل مع القوى الوطنية والديمقراطية واليسارية والاشتراكية وجميع المخلصين، لصد أي عدوان ورفض أي تدخل في الشؤون الداخلية، ومن أجل حرية المواطنين وكرامتهم، والدفاع عن مصالح الكادحين، ويطالب بالإفراج عن معتقلي الرأي… ومن أجل بناء سورية المدنية العلمانية الديمقراطية المزدهرة.

في هذه المناسبة، ننحني احتراماً وإجلالاً لشهداء الوطن وشهداء حزبنا.. ونردد مع ألوف الشيوعيين وأصدقائهم:

عاش الحزب الشيوعي السوري الموحد.. عاشت الشيوعية!

 

العدد 1140 - 22/01/2025