«أصدقاء» الائتلاف يضعون شروطاً في لندن.. محاولات أمريكية لعرقلة جنيف 2

مقررات (لندن) تشجع أعداء جنيف 2

الأمريكيون يهدفون إلى استنزاف سورية

السوريون متفائلون رغم العراقيل

كتبنا مراراً على صفحات (النور)، محذرين من الثقة بالموقف الأمريكي من الجهود الدولية التي تقودها روسيا ودول أخرى لحل الأزمة السورية بالطرق السياسية عبر عقد مؤتمر جنيف 2. ونحن هنا لا ندعو إلى التشاؤم إزاء هذه الجهود، لكننا نستعيد دائماً الموقف الأمريكي المراوغ من جميع القضايا التي تهم المنطقة العربية، وسورية خصوصاً. وهذا ما تؤكده الوقائع منذ تحول الأحداث في سورية من مسيرات سلمية مطالبة بالإصلاح السياسي والاقتصادي، إلى حرب همجية قادتها الدول المنغمسة حتى آذانها في المخطط الإرهابي الأسود، وأطراف داخلية وخارجية وضعت نصب أعينها تهديم سورية، المعقل الأخير للتحرر العربي، التي انفردت بقول (لا) لتنفيذ مخططات الإمبريالية الأمريكية والصهيونية.

في السلوك السياسي والتدخل العسكري

ففي السلوك السياسي، حرصت الولايات المتحدة على تقديم الدعم السياسي لمجموعات معارضة تقيم في الخارج، وساعدت على هيكلة هذه المجموعات ضمن (ائتلاف) توسمت فيه القدرة على إحداث فارق ما في توجه جماهير الشعب السوري نحو التحرر والديمقراطية ومعاداة الإمبريالية والصهيونية.. لكن هذا (الائتلاف) الذي نصّبوه (ممثلاً وحيداً) لآمال السوريين، لم يحصد إلا غضبهم واستنكارهم.. وتبرؤوا من تمثيله المزيف لإرادتهم، إضافة إلى تنازع فئات هذا (الائتلاف) على حصد المليارات الآتية من فرسان (الديمقراطية) الخليجية، مما دعا العديد من الأطراف الدولية والأوربية خصوصاً إلى أن تعيد النظر بالسيناريو الأمريكي لدعم هؤلاء، لانعدام تأثيرهم السياسي الملموس في الأزمة السورية.

أما في السلوك العسكري، فقد نظمت مع عمالقة (الديمقراطية) وحكام الأنظمة الثيوقراطية  المغرقة في رجعيتها، وأحفاد السلاطين في تركيا، جسراً مشتركاً لنقل الأسلحة والذخائر واللوجستيات الضرورية لتنفيذ العمليات الإرهابية ضد الدولة السورية وشعبها وجيشها ومصالحها وبنيتها التحتية، وأقامت معسكرات في دول الجوار، لتدريب (الجهاديين) القاعديين الآتين من أصقاع الأرض، وأخرجت مخطط تقسيم سورية من ملفاتها، بعد استنزاف قدرات البلاد، وتركيع الشعب السوري، بفرضها حصاراً خانقاً ظالماً ساهم فيه (الأشقاء) في الجامعة (العربية) قبل غيرهم من الدول الحليفة للإمبريالية الأمريكية، ظناً منهم أن عصابات التكفير الآتية من كهوف التاريخ، قادرة على كبح تصميم الشعب السوري على بناء مستقبله الديمقراطي.. العلماني.. التعددي.

لكن المخطط الأمريكي الصهيوني المدعوم خليجياً وتركياً، يواجه مقاومة السوريين، شعباً وجيشاً، وصمدت سورية أكثر بكثير مما كان يتوقعه هذا التحالف، مما دفع الأمريكيين إلى المناورة السياسية لتحقيق ما عجزوا عن تحقيقه عسكرياً، دون تقليص دعمهم المتعدد الأشكال للتنظيمات الإرهابية التكفيرية.

المراوغة الأمريكية

لقد انكشفت مناورات الأمريكيين، بعد انفضاض جنيف ،1 إذ عمدوا إلى تبنّي تفسيرات واجتهادات خارجة عن بنوده، وأصبح هذا التفسير وذاك الاجتهاد عنواناً أساسياً في تحريضهم السياسي، ولقاءاتهم الثنائية مع الجانب الروسي، تمهيداً لعقد جنيف ،2 وها هم أولاء، بعد أن ملؤوا الدنيا تصريحات بسعيهم لعقد هذا المؤتمر، يخترعون اجتهادات وتفسيرات وشروطاً جديدة تدل على هدف واحد، هو عرقلة جهود المجتمع الدولي وروسيا، الرامية إلى عقد المؤتمر العتيد وإنهاء أزمة السوريين.

الإعلان عن سعي الأمريكيين السلمي مناورة، فهم أقروا في مؤتمر (أصدقاء) سورية في لندن مؤخراً تكثيف دعمهم إلى التنظيمات الإرهابية القاعدية. وموافقتهم على المبادرة الروسية لعقد جنيف 2 دون شروط مسبقة مناورة، فقد وصفوا وشجعوا (الائتلافيين) على وضع شروط يعلمون تماماً أن الشعب السوري والقيادة السورية لا تقبل بها، لأنها تتعارض مع خيارات الجماهير السورية، وحقها في اختيار نظامها السياسي وقادتها المنتخبين ديمقراطياً.

موافقة الأمريكيين على حضور جميع ممثلي المعارضة السورية في الداخل والخارج مراوغة، فها هم أولاء يعلنون من لندن سعيهم كي يختزل (الائتلاف) جميع هذه الأطراف الوطنية المعارضة التي وقفت ضد التدخل الخارجي والتفتيت الطائفي والعدوان الأمريكي على سورية.

لقد جاء الرد الروسي على ما تضمنه بيان (الأصدقاء) في لندن واضحاً ومعبراً عن خروج الأمريكيين وحلفائهم على الاتفاق الروسي الأمريكي لعقد جنيف 2 دون شروط، وبحضور جميع الأطراف، بعد أن أعلنت الحكومة السورية موافقتها غير المشروطة، وأن ما جاء من مقررات في اجتماع (لندن) لا يخدم عملية السلام في سورية.

الجهود الروسية والدولية تتواصل لتذليل العراقيل التي وضعها (الأصدقاء) في لندن، فالإبراهيمي يتابع جولاته العربية والإقليمية، وما يصدر عنه من تصريحات تصبّ في ضرورة عقد جنيف2 دون تأخير، أما زيارته لإيران فاختتمها بإعلانه ضرورة حضور إيران للمؤتمر بوصفها طرفاً إقليمياً أساسياً ومؤثراً. الجانب الروسي يتابع كذلك اتصالاته مع الأمريكيين والأوربيين لتهيئة ظروف مناسبة، تسمح بانعقاد جنيف 2 دون مماطلة أمريكية، ودون شروط مسبقة تفجر جميع الجهود السلمية.

احتمالات انعقاد جنيف 2 في موعده المفترض في أواخر الشهر القادم، تتساوى مع احتمال تأجيله إلى موعد لاحق، بهدف فسح المجال أمام الأمريكيين وحلفائهم لإقناع (الائتلاف) بحضوره، والجميع بانتظار نتائج زيارة الإبراهيمي إلى دمشق.

من يضمن تنفيذ مقررات المؤتمر؟

سنظل متفائلين بعقد جنيف ،2 لأننا نؤمن بالحل السياسي للأزمة السورية، فأي حل آخر يعني استمرار نزيف الدم السوري، وزيادة معاناة السوريين.. وسنبقى دائماً مع حوار السوريين وتوافقهم حول مستقبل سورية الديمقراطي، المعادي للإمبريالية والصهيونية، ولكل أشكال الهيمنة، فهو المدخل الآمن لإنهاء أزمتنا.

أمام الهجوم السعودي على أي مبادرة سلمية لحل الأزمة السورية واستمرارها في دعم التنظيمات التكفيرية الإرهابية التي ترتكب المجازر وتسليحها، وتبقر البطون، نعتقد أن السؤال الرئيسي الذي سيواجه الإبراهيمي في دمشق: من يضمن تنفيذ قرارات جنيف ،2 حول التسوية السلمية، إذا كانت التنظيمات الإرهابية ترفض أي حل سلمي؟ وما جدوى المبادرة السلمية في ظل الإصرار السعودي.. الوهابي على استمرار التصعيد العسكري؟

العدد 1140 - 22/01/2025