انتظار الدخان الأبيض
أصبح الحل السياسي للأزمة السورية العنوان الأبرز في الخريطة السياسية، وهناك إجماع على السير في الطريق إلى جنيف،2 باستثناء بعض (الموتورين) الذين يسعون إلى تحقيق الحل السياسي حسب رغباتهم، بوضع شروط مسبقة لتلبية أهدافهم ومخططاتهم.
لقد كشفت تطورات الأحداث وتفاعلاتها على الأرض ومغايراتها السياسية، أن الحل السلمي هو الذي يحقق إرادة الشعب السوري. وأن تجييش القوى المعادية وتغذيتها بالمال والسلاح، وتجميعها من عشرات الدول لتدمير سورية ومسحها من خريطة المنطقة، غَدت أحلاماً وأوهاماً.
إن قراءة ما يجري في الأروقة الإقليمية والدولية، يشير بوضوح إلى أن هناك تفكيكاً لبعض العقد التي شكلت عثرات سياسية، وذلك من خلال النظر إلى التبدلات التي حدثت في الشهور الماضية في التحالفات الإقليمية والدولية. ومن أبرز هذه التغيرات: الاتفاق الروسي – الأمريكي على الجلوس حول طاولة الحوار وعقد مؤتمر جنيف2 دون شروط مسبقة، وهو الذي يوقف نزيف الدماء. وأن ما يجري في سورية هو أعمال إرهابية تنفذها مجموعات ظلامية – تكفيرية.
وسقطت مشاريع عدة أبرزها المشروع الإخواني في مصر والمنطقة، ووضعت التحالفات السعودية – القطرية في غرفة التبريد. وظهرت خلافات سياسية في العلاقات الأمريكية – الأوربية، نتج عنها موقف أوربي متقدم عن المواقف (الإجهاضية) التحريضية السابقة. واقتنعت معظم الدول أن الحل السياسي هو الحل الوحيد للأزمة السورية. وتوترت العلاقات أكثر بعد الكشف عن تجسس المخابرات المركزية الأمريكية على اتصالات المستشارة الألمانية (ميركل) وعلى المسؤولين الفرنسيين. واعتبرت ميركل أن التجسس (أكبر إهانة) تتعرض لها ألمانيا. وأن الهجوم الأمريكي على هاتفها، هو هجوم على (قلبها السياسي). وكذلك فشل اجتماع (أصدقاء سورية) في لندن، ولم يتم التوصل إلى موقف يرضي (الائتلاف) رغم الضغط الأمريكي ومحاولة (كيري) إرضائه وتهدئته والتخفيف من توتر رئيسه وتصريحاته التصعيدية، فكرر ما ردده عشرات المرات (برحيل الرئيس بشار الأسد).
ومن العوامل المساعدة على تفكيك المشروع التقسيمي، التهديد السعودي للولايات المتحدة بإعادة النظر في العلاقات بين الدولتين على لسان (بندر والفيصل)، بسبب التقارب الأمريكي – الإيراني، وخسارة السعودية الرهان على (احتكار) الملف السوري – الإيراني، ونزع فتيل التقارب الأوربي – الإيراني أيضاً. أما الاحتجاج السعودي الآخر، فهو على عدم دعم الولايات المتحدة التدخل العسكري السعودي في قمع الانتفاضة في البحرين.ومنذ أيام خرج الدخان الأسود عن لقاء ( جون كيري – سعود الفيصل)، بخصوص (جنيف2 ) وفشلا في إعادة المياه إلى مجاريها. ورأى الفيصل أن يكون وفد المعارضة تحت مظلة الائتلاف، وإبعاد أية معارضة وطنية، ويقصد (هيئة التنسيق الوطنية وغيرها من المعارضات الوطنية). وجاء الرد من رئيس هيئة التنسيق في الخارج هيثم المناع الذي قال: (لا نقبل أن يكون وفد الائتلاف هو الأكبر، ولا يرأس رئيسه وفد المعارضة، وليس دورنا أن ننقذ غريقاً، ونعتقد أن الائتلاف أصبح ائتلافات..).
يظل جنيف2 هو الدريئة التي تتعرض إلى سهام الرافضين له، من الداعمين للمجموعات المسلحة، الذين يقبلون المشاركة بشروط، يمكن أن تؤدي إلى تأجيله لشهور عدة ثم إلغائه.
إن تحقيق الحل السياسي السلمي لا يتم إلاَّ بالجلوس على طاولة الحوار في جنيف، دون وضع أية شروط. وعلى هؤلاء المتطرفين – الظلاميين أن يعلموا (وهم يعرفون) جيداً، أن سورية دولة مستقلة ذات سيادة ولا تخضع لضغوط أية دولة أو تقبل الوصاية من أي طرف، وأن تغيير ميزان القوى (إقليمياً ودولياً) ليس لصالح المجموعات المسلحة وأسيادها الأوربيين والأمريكيين ومشيخة الغاز ومملكة النفط، بل هو لصالح الحل السياسي، ولبناء سورية المدنية العلمانية الديمقراطية.