البحيرة الخضراء

سيقول قائل إن شكواي عارية عن الإنسانية في ظل ما تشهده أمنا سورية من طعنات في صدرها ونزيف من أوردتها، لكني أرى أن الشكوى التي تغذي المصلحة العامة لا تنأى عن الإنسانية، لذلك وبعيداً عن النفايات التي لن أعدد أنواعها، لأن هناك في الدهاليز والزواريب منها ما تقشعر له الأبدان!

هل تعلم عزيزي الدمشقي، أن لديك بحيرة خضراء بمساحة 500متر مربع وسط المدينة، تقع تماماً على مقربة أمتار قليلة فقط من جسر الثورة؟ ألا تشعر وأنت تمر بقربه بهبات بحرية منعشة؟ إذاً إليك البشرى:

في هذا الصيف الصاعق صنعت محافظة دمشق بلا قصد ما يخفف عنك وطأ حرّه، تماماً في الحفرة الاصطناعية الواقعة بين فندق الأجنحة الملكية و سوق الهال القديم، وبناءَيْ وزارة الداخلية للشؤون المدنية وبعض الأبنية الأخرى. وقد أراد المهندسون الغوص نحو أقصى الحضارة عند تشييد البناء، فغاصوا حَفْراً في الأرض إلى عمق أربعة طوابق، تمهيداً لإنشاء كراجات تحل بها مشكلة ركن السيارات فوق الأرصفة. ومع علم الجميع بآلاف الينابيع القريبة من السطح التي تعوم فوقها دمشق بحكم تكوينها الجغرافي، أعتقد أن أحداً من المهندسين لم يفاجأ حين تفجرت وتحررت بعد حبسها الأزلي بما يؤثر على أساسات الأبنية المجاورة.

وحين طالت مدة الأزمة في سورية وتطورت أكثر، ومع الاحتباس المادي هنا وانحساره هناك، وتجمد السياحة وفعالياتها وانعدام وفود المجموعات السياحية التي كانت تؤم بلدنا الجميل من كل أنحاء العالم،توقف نهائياً العمل بالمشروع إلى أجل غير مسمى. وعلى الرغم من وضع السدادات واتخاذ بعض الإجراءات للحد من تدفق المياه، إلاّ أن منسوبها مازال حتى الآن يرتفع تدريجياً حتى تجاوز أول أربعة أمتار من الأقبية- كما ارتفاع منسوب الأسعار في السوق – وما أشد فرحتنا بها مع قدوم الصيف بكل أوزاره التي ترزح على صدورنا، فتؤجج أكثر ما هو خامد، ومن أجل التسلية. في الحقيقة لم نكن نحتاج إلاّ لمزارع استنبات جديدة لجذب البق والبرغش والبعوض المتعملق يرفرف فوق رؤوسنا، يلسع أجسادنا ويرفع منسوب القلق في ليالينا، عدا النفايات التي تأتي مع الريح أو يرميها البائعون في السوق الملاصق، ما يكثف من تلوث المياه الآسنة ويجعلها موئلاً مغرياً لجميع أنواع الحشرات، وأين؟ في قلب العاصمة دمشق الحبيبة. فهل من حل سريع للبحيرة الخضراء وما حولها، يا مسؤولي محافظتنا الجليلة قبل احتراق أرض الشام وساكنيها؟

العدد 1140 - 22/01/2025