رحلة شاقة إلى جنيف2!

لم تكن الطريق سهلة إلى جنيف2 لوفد الحكومة السورية، بل برزت عقبات وذُلّلت أخرى. وكانت أنظار الملايين مشدودة إلى المدينة السويسرية، التي استقبلت وفوداً من أربعين دولة وثلاث منظمات إقليمية، وغاب وفدان رئيسان هما: (الوفد الإيراني، ووفد المعارضة الوطنية في سورية).

لقد أشبعت الأزمة السورية تحليلاً، وتعددت الأسئلة وتنوعت الأجوبة، قبل عقد المؤتمر وأثناء انعقاده، حول الوصول إلى حل سياسي، بعد أن فشلت التحالفات الإقليمية والدولية في إسقاط الدولة السورية، وعدم توفر أي إمكانية لحل خارجي عن طريق العدوان العسكري المباشر وغير المباشر. وهذا ما أكده حزبنا مراراً وتكراراً، بأن لا حلَّ عسكرياً لحسم الصراع في سورية، وأن ثمن استمرار العنف هو مزيد من الدماء السورية، وعليه فإن الخروج من الأزمة لا يمكن أن يكون إلاَّ سياسياً.

وكان اليوم الأول في مونترو يوماً حاراً رغم انخفاض الحرارة، تليت فيه كلمات الوفود..ورأى مراقبون أن (المعلم) كسب الجولة الأولى وجذب كل الإعلام، ليس بسبب فتحه النار ضد المعارضة وداعميها وضد حكومة أردوغان، بل لأنه عاد يمارس خبرته الدبلوماسية العريقة.

وتساءل كثيرون: هل سيخرج جنيف2 بحلّ سياسي، بينما المعارضة الوطنية في داخل سورية لم تُدعَ إلى المؤتمر؟ لماذا أبعدت إيران من المشاركة في المؤتمر؟ وهل حقق بان كي مون بهذه (اللعبة الصبيانية) في دعوة ايران ثم سحبها نجاحاً باهراً؟

انعقاد المؤتمر في موعده هو نجاح سياسي بحد ذاته، ولكن الخلاف ليس على هذا الإجماع الدولي للوصول إلى حل سياسي للأزمة السورية، بل على تحديد أولويات بنود جنيف1.

حدد الوزير المعلم في كلمته أن  الأولوية هي مكافحة الإرهاب وتجفيف منابعه ومحاكمة مموليه وداعميه. وقال: لنتعاون يداً بيد لمكافحة الإرهاب والحوار على أرض سورية! وقال أيضاً: رغبة سورية بإنجاز المؤتمر كخطوة أولى لبدء حوار سوري – سوري على الأراضي السورية دون تدخل خارجي.

وفي المقابل (أرعد الجربا وأزبد) وبخَّ سموم أسياده، في كلمة مشروطة، ملوثة ب (البترو- دولار) تكرر مضمونها عشرات المرات، مستنداً بذلك على (نظرية الفيصل)من جهة، وعلى (عدم وفاء السيد كيري للاتفاق مع نظيره لافروف بعدم التطرق للرئيس بشار الأسد) من جهة ثانية.

إن العالم المنقسم إلى أكثر من تكتل إقليمي ودولي تبيّن له بعد تجارب مريرة، أن الشعوب هي التي تقرر مصيرها بنفسها، وهي صاحبة القرار السيادي وصدّ أي عدوان خارجي.. وأن الشعوب هي التي تبني أوطانها وتحدد مستقبل أبنائها وهويتها.

وبعد نحو ثلاث سنوات من الأزمة السورية جرت تغيرات جوهرية، قدَّم الشعب السوري والجيش العربي السوري تضحيات كبيرة. وقد تغيرت المعادلة الأمريكية – الأوربية بدرجات تشير إلى سقوط مقولة صناعة الإرهاب وتصديره إلى المنطقة، ونشر الفكر الظلامي – الوهابي . وفشل الإسلاميون في تونس ومصر خاصة.. وبينت السنوات السابقة كيف تمَّ تبديد أحلام وأوهام المنظرين الرأسماليين والمبشرين بالسلام والأمان والديمقراطية على طريقتهم ومحبتهم الكاذبة لشعوب المنطقة. وقد تحدَّث دبلوماسي أمريكي عن أن المعادلة قد تغيّرت، وقال: إن موازين القوى العسكرية على الأرض صارت لمصلحة النظام السوري. ونحن لا نريد التدخل عسكرياً لأسباب كثيرة تعرفونها.. نحن والروس متَّفقون على معارضة قيام أي حكم إسلامي في سورية.. نحاول أن نوفق بين مطلبنا برحيل الرئيس السوري، وبين الحؤول دون قيام دولة إسلامية.. السؤال الرئيسي المنتظر: من القادر على تصور نتائج مؤتمر جنيف 2 وكيفية تنفيذ بنود جنيف ،1 وإعادة بناء سورية الجديدة ..سورية الدولة المدنية العلمانية الديمقراطية التعددية..؟!

العدد 1140 - 22/01/2025