الظروف الراهنة تؤكد أهمية التمسك بالقطاع الزراعي أكثر

لا يخفى على أحد أن من عوامل صمود الاقتصاد السوري في ظل الظروف الراهنة، أنه اقتصاد متنوع ويحقق نوعاً من الاكتفاء الذاتي في بعض سلعه الأساسية، مثل الخضار والفواكه وبعض المواد الغذائية الأخرى، ولكن استمرار الأزمة الراهنة كان له أثر بالغ على مختلف القطاعات الاقتصادية.. فالصناعة الوطنية شُلّت وخرج العديد من المعامل عن الإنتاج، في حين تأثر القطاع السياحي كثيراً وبلغت خسائره المليارات، وكذلك قطاع النقل، وقطاع المقاولات، وغيرها من القطاعات الاقتصادية الأخرى.. وحالياً اعتُمد على الاستيراد في تلبية حاجات السوق المحلية، إضافة إلى القطاع الزراعي المحلي، الذي تأثر أيضاً بالأحداث الراهنة. وهنا لا بد من طرح سؤال في غاية الأهمية: كيف هي حالة القطاع الزراعي الحالي، خاصة بعد أن صرح اتحاد الفلاحين على لسان رئيسه قائلاً: (وداعاً للزراعة السورية! والسبب السياسة الحكومة الحالية).. فأي القطاعات الزراعية تأثرت، وما هي الحلول؟

الواقع الزراعي ليس قاتماً.. وهو الأول!

حصلت (النور) على بعض الأجوبة من محمد الكشتو، رئيس اتحاد غرف الزراعة السورية، الذي أوضح أن الواقع الزراعي لا يعدّ قاتماً، ولكن الظروف الراهنة هي القاتمة.. مشيراً إلى أن الأزمة الراهنة برهنت على أهمية القطاع الزراعي.

وبالنسبة للمحاصيل الأخرى، أوضح الكشتو أن محصول الخضار تأثر بشكل بالغ، فقد كان من الخطأ أن يوقف تصدير الخضار.

وعن المحاصيل الاستراتيجية من القمح والقطن والشمندر السكري، أوضح الكشتو أن إنتاجنا الحالي من القمح بلغ نحو مليونين ونصف المليون طن، لافتاً إلى أن تسويق المحصول يواجه بعض الصعوبات، إذ إن الكميات التي سُلّمت لمؤسسة الحبوب لم تصل إلى مليون طن.

ولفت إلى أن التسويق يختلف عن الإنتاج، إذ يواجه التسويق صعوبات بالغة، خاصة في ظل الظروف الراهنة، ففي الرقة ما لا يقل عن 500 ألف طن من القمح لم تسوّق إلى الآن، وكذلك الأمر بالنسبة في ريف حلب والحسكة.

وأشار إلى أن الحكومة قامت بدعم محصول القمح، وقدمت سعراً مميزاً وأفضل من السعر العالمي ومن أسعار الدول المجاورة، ولذلك لم تُهرّب المادة.

القطن والشمندر السكري

وبالنسبة لمحصول القطن أوضح الكشتو أن محصول القطن هو محصول يحتاج إلى يد عاملة، لذا فهو تعرّض لصعوبات كثيرة، نتيجة الظروف الراهنة التي تمر على سورية، وخاصة أنه يحتاج إلى سقايات كثيرة، إضافة إلى ارتفاع أسعار المازوت والطاقة. فكل العوامل السابقة أثرت على المحصول، ولا يمكن الوقوف على رقم إحصائي دقيق عن محصول القطن، فمعظم الأرقام المتوفرة هي تأشيرية.

ولفت إلى أن المحصول الأكثر تضرراً كان الشمندر السكري، لأنه محصول يعتمد اعتماداً كبيراً على اليد العاملة، وواجه ظروف نقل صعبة، عدا توزع المعامل في العديد من المحافظات، فهي متوقفة حالياً ولا يوجد إمكانية لتشغيلها، بسبب الظروف الراهنة، ويجري الاعتماد على معملين فقط، وبالطبع الأمر لا يتعلق بأي تقصير من الحكومة، بل يرتبط بالظروف الراهنة.

وعن ما تسعى إليه الحكومة من استيراد العجول والأبقار لسد النقص في الحليب واللحوم ضمن الأسواق المحلية، أوضح الكشتو أنه من الضروري تطوير الثروة الحيوانية التي نملكها حالياً، وسنقوم باستيراد الأبقار الحلوب، ويوجد بدائل أمام الحكومة. فمثلاً بدلاً من استيراد الفروج المجمد، كان من الأجدى أن يُدعم المربون بالأعلاف، والمحافظة على هذا القطاع المحلي الهام.

وبالنسبة لمطالب غرف الزراعة من الحكومة، أوضح رئيس اتحاد غرف الزراعة، أن الحكومة لم تقصر في حقيقة الأمر مع القطاع الزراعي، وهي تعمل جاهدة على دعمه ولكن حالياً نحتاج إلى خلية أزمة اقتصادية يرأسها وزير، تقوم بمناقشة أهم القضايا المتعلقة بالقطاع الزراعي، بحيث يكون لها صلاحية اتخاذ القرارات السريعة، لأن تخاذ القرارات ببطء غير جيد حالياً وتسبب بعرقلة العمل أكثر.

ولفت إلى أهمية إعادة هيكلة الدعم الذي تقدمه الحكومة للقطاع الزراعي ووضعه في المكان الصحيح، مشيراً إلى أن الدعم الذي تقدمه الحكومة لهذا القطاع يذهب دون تحقيق الفائدة المرجوة منه.. مع تأكيد أهمية تشجيع الإنتاج الزراعي والحيواني، وخاصة في ظل الظروف الاقتصادية الراهنة، ويمكن من خلال زيادة الإنتاج أن نحقق نوعاً من التوازن في الأسواق الداخلية والخارجية.

يشار إلى أن تقريراً لمنظمة الأغذية والزراعة (فاو) وبرنامج الغذاء العالمي (بام)، التابعين للأمم المتحدة قد توقع في تموز الماضي، أن يشهد الإنتاج الزراعي مزيداً من التراجع في الأشهر ال12 المقبلة.

السعود: زراعتنا تتدهور!

وكان رئيس اتحاد الفلاحين حماد السعود، ذكر مؤخراً أن الزراعة السورية والفلاح في تراجع وتدهور مستمرين، وإن بقيت الحكومة على السياسات الحالية تجاه الزراعة فسنقول قريباً: وداعاً للزراعة السورية! محذراً من انهيار الزراعة السورية في حال استمرت الحكومة في سياستها تجاه هذا القطاع، التي لا تختلف عن سياسة الحكومات السابقة في السنوات الأخيرة. ووفقاً لاتحاد الفلاحين فقد تراجع إنتاجنا من القطن نتيجة هذه السياسات من 2,1 مليون طن إلى 300 ألف طن، وفي موسم 2013 الذي بُدئ قطافه سيشهد المحصول مزيداً من التراجع، إذ رفضت الحكومة تمويل مستلزمات إنتاجه من سماد وبذار وغيرها، كما تراجع إنتاجنا من القمح من 4- 5,4 ملايين طن سنوياً، إلى نصف هذه الكمية نتيجة السياسات نفسها. ففي الموسم الأخير كانت دير الزور وحماة والحسكة أفضل المحافظات تسويقاً لمحصول القمح، على حين لم تتمكن إدلب والرقة وحلب من التسويق، والمحاصيل لا تزال لدى الفلاحين نتيجة قطع الطرقات، وهناك ما لا يقل عن 800 ألف طن من القمح مكدسة لدى الفلاحين ولم تسوّق، واستغنت عنها الحكومة، لاهثة وراء استيراد القمح.

تعليق: الأمن الغذائي ضرورة ويجب عدم التخلي عنه

بعد عرض السابق، لا بد من تأكيد أهمية توفير العوامل الداعمة لإبقاء الفلاح متمسكاً بأرضه، وتقديم جميع التسهيلات له، سواء الدعم المالي أم الدعم في مستلزمات الإنتاج، لأن أي تراجع في الإنتاج الزراعي سينعكس انعكاساً سلبياً على أسواقنا المحلية، ولولا إنتاجنا الزراعي لكانت الحكومة قد أنفقت المليارات لتأمين متطلبات السوق المحلية من الخضار والفواكه وغيرها من المنتجات الحيوانية الأخرى.. وما نلمسه في أسواقنا من ارتفاع في أسعار الخضار والفواكه والمنتجات الحيوانية ناتج عن ضعف الإنتاج الزراعي، فلا بد من التحرك الحكومي العاجل للوقوف على معاناة الفلاح ودعمه قدر الإمكان، وعدم التركيز على الاستيراد فقط، فالأمن الغذائي يعتبر من أكثر العناصر أهمية في الاقتصاد السوري، ويجب على الحكومة أن لا تفقده خلال الأزمة الراهنة، لأننا بأمس الحاجة إليه.

العدد 1140 - 22/01/2025