الترميم
الترميم مصطلح لا يخص الآثار والجروح والعظام وبيوت دمشق القديمة، بل هناك ما يسمى بترميم الأفكار المهترئة، وإعادتها إلى الحياة والتداول بين الناس وتألّقها من جديد.
الترميم ليس ثوباً بالياً يقوم صاحبه بترقيعه، أو ترقيع دولاب السيارة، بل يعني إحياء الخلية وإدخالها إلى ميدان العمل من جديد. وهناك خلايا كثيرة تصاب بالتلف مع الزمن، تتقطّع أنسجتها ولم يعد الجسم بحاجة إليها، أو تصبح الخلية غير قادرة على التجدد والتوافق مع التطور.
التجربة علم، والإنسان يتعلّم من تجاربه وتجارب الآخرين. ومن الملاحظ أن كثراً من البشر حينما تتوقف بعض الخلايا عن العمل، ينقطع الاتصال بين العقل واللسان ويزداد الشرود، ثم يحدث تطوّر عكسي بأن نقص الخلايا أو(المتلفة) ينتج عنها أن الشخص يحدّث نفسه وهو ذاهب إلى عمله، بقصص قديمة ومستقبلية أحياناً لا قيمة جوهرية لها.
اليوم وفي زمن الصبر، كما يقول المبصرون الذين يميزون بين الكأس الفارغة والكأس الملأى، اهترأت الأفكار من براعة المحللين السياسيين، ونظريات المفكرين القادمين من أصقاع الدنيا، المحمولين على رياح التغيير، يحملون سواطيرهم وسكاكينهم وأفكارهم العتيقة البالية.
بدأ المواطن يخسر ما ربحه في العقود الماضية، فهو الآن يخسر كل يوم خلية أو أكثر من خلايا دماغه، وهو يبحث عن الغاز والمازوت والخبز. وأغلق أذنيه كيلا يتشوه ذهنه، من تعدد المؤتمرات واللقاءات الثلاثية والسداسية والمئوية، ومن التصريحات النارية والمثلجة، الحارة والباردة، المحزنة والمفرحة، ومن اللقاءات العلنية والسرية. ومع ذلك تجددت ثماني خلايا بعدد أيام الحرب الإسرائيلية على غزة الصامدة. وأدى هذا إلى تحسّن صحته، فتورّد خدَّاه وعاد لون عينيه إلى الصفاء، ولم يعد فيهما أي احمرار أو اصفرار، رغم تعكّر مزاجه وهو يستمع إلى مناقشة أعضاء مجلس الشعب لمشروع قانون(تنظيم الوظيفة العامة). فالبرلمانيون أعادوا هذا المشروع إلى الحكومة، التي بدأت تتراجع عن خطتها في تأمين العمل للباحثين عنه. وما تقوم به من ترميم كان مقبولاً عند الشباب نظراً للحاجة الماسة لتأمين رغيف الخبز كحد أدنى، بعقد عمل لمدة خمس سنوات، لكن تجاهل الحكومة لتثبيت الموظف، وسعيها لإلغاء فكرة التثبيت نهائياً في الوظيفة العامة، كان مخالفاً لكل القوانين والتعهدات التي أعلنت عنها الحكومة عند تشكيلها.
ويعني الترميم أيضاً تصحيح ما شوهته الحياة، خاصة في مثل ظروف سورية الآن.. ولا يتحقق الأمر بكلمة أو نشر مقالة في صحيفة حكومية أو خاصة. وإذا رممت بعض القضايا أو المسائل الملحة، فهذا يخفف من حدة مرض النسيان أو (الزهايمر) الذي يحصد آلاف الناس يومياً، بسبب ما يرى وما يسمع يومياً من فساد وزيادة عدد المفسدين والحاقدين على سورية، والتنظيمات التكفيرية المنتشرة في المدن والقرى، ومنها أربع عشرة منظمة سلفية تنادي بإقامة إمارة إسلامية في حلب.
ومن الصعب جداً ترميم مئات ألوف البيوت التي خُرّبت، وترميم أكثر من 600 مؤسسة عامة وخاصة، وإعادة الأمن والاستقرار إلى البلاد.
ومن الصعب أيضاً ترميم أغشية الآذان التي ثقبتها أصوات القذائف.. وليس من الصعب أن ينتصر شعبنا على الإرهاب والفكر الظلامي، وعلى أعداء سورية الدوليين والإقليميين والمحليين!