محاربة الإرهاب والتطرف.. مهمة وطنية ودولية
منذ بدء مؤشرات الأزمة السورية في آذار 2011 طرحت سورية مبكراً وخلال أسابيع قليلة، سبل المعالجة عبر الحوار والحل السياسي لقضاياها الأولية المطروحة آنذاك. وتكشفت الأمور تدريجياً وبسرعة فاقت تقديرات المنشغلين المحليين فيها، على اختلاف توجهاتهم، وصولاً إلى انكشاف الأهداف الحقيقية للقائمين عليها والمخططين لها عملياً. ثم أعلنت سورية بقواها الوطنية الحريصة على الوطن، أن القضية ليست سوريةً مجردة، ولا علاقة لها البتة بالشعارات المطروحة في الأسابيع الأولى، على أهميتها، بل في كيفية استخدامها وصولاً إلى جعلها أزمة وطنية عامة، تتداخل فيها العوامل الداخلية والإقليمية والدولية المنشغلة سلباً بها.
ولقد حذرت سورية مبكراً من مخاطر استمرار هذه الأزمة وعسكرتها، ومن تجاهل، أو رفض الإجراءات المقترحة لحلها، والمراسيم والإصلاحات المتتابعة، مؤكدة أن القضية لا تتعلق بالوضع في سورية، على أهميته وخصوصيته، وأن الإصرار على إدامتها سينعكس كارثياً على المنطقة ودولها. وحذرت سورية أيضاً من مخاطر الإرهاب والتطرف المدعوم إقليمياً ودولياً، وتالياً تشظيه ليصل إلى الدول التابعة والوكيلة، وإلى العالم بأسره أيضاً. وأعلنت أن الهدف الحقيقي يتلخص في إيجاد المبررات الهادفة إلى تفتيت المنطقة وتقسيم ما هو مقسم منها أصلاً، بهدف احتوائها واستيعابها ضمن المخطط الأمريكي – الصهيوني – الغربي المرسوم للمنطقة بأسرها.
لقد اتهمنا البعض بالمبالغة وتضخيم ما يحدث، رغم المؤشرات والحقائق الدامغة حول هذا المخطط، وحول ماهية الأدوات والوكلاء المنشغلين فيه..
الآن وبعد مرور أكثر من ثلاث سنوات على بدء الأزمة السورية، التي اعتقد البعض واهماً بأنها مسألة أسابيع أو بضعة شهور في حدها الأقصى، للانتهاء منها وإغلاقها، وفق التصور المخطط له، فإن الوقائع تؤكد ما أشارت إليه سورية بقواها الوطنية الحريصة على سورية دولة وكياناً. إذ ضرب الإرهاب ومايزال يضرب مناطق لبنانية محدودة، وأخذت المعركة تتسع في العراق بين الجيش العراقي وداعش، مستفيداً من الحالة العراقية القائمة، وبخاصة منطقة الحدود السورية – العراقية وصولاً إلى حدود العديد من الدول العربية، التي شجعت الإرهاب والتطرف في سورية، ودعمت عصاباته ومرتزقته، وساهمت في إنشاء الاصطفافات الإقليمية والدولية المؤيدة له.
وقد بات واضحاً أن معالجة ما يجري في المنطقة، وليس في سورية فقط، هو كيفية مواجهة إرهاب دولي ممنهج، لا حدود له ولا دين، ويطول الجميع دون استثناء، وأن أجندته مفتوحة على كل الاحتمالات، وأن علاج هذا الإرهاب الدولي مرة أخرى، لا يتحقق بالتدخل العسكري الدولي، وعودة الوجود الأجنبي إلى هذه الدول، وهذا جزء من مخططاتها، بل بالاتفاق الدولي الملزم لكل أطرافه على تجفيف قنوات الدعم المتعددة الأوجه لهذه العصابات الإرهابية.. كما أن علاج هذا الإرهاب ومكافحته، ليس عسكرياً فقط، على أهميته، بل في العمل الوطني الداخلي لكل دولة، وتالياً المنطقة والعالم أيضاً، لفضح ظاهرة التطرف الإرهابي العسكري وأبعادها ومخاطرها أيضاً، وأن الظاهرة (الداعشية) كما (القاعدة) وغيرها، ليست إلا أدوات وظّفت واستخدمت وماتزال في سياق مخطط يمس ما هو أبعد من أزمة في هذا البلد أو ذاك، وتجربة أفغانستان ماتزال ماثلة.
وهذا ما عملت سورية على كشفه مبكراً أيضاً، وأرست الأسس لفضح أهدافه، بدءاً من مراسيم الإصلاح المتتابعة (تعديل الدستور والاستفتاء الشعبي حوله، الانتخابات البرلمانية ثم الرئاسية التعددية في تجربتها الأولى، وليس آخرها مرسوم العفو الرئاسي 2014)، مروراً بالمصالحات المناطقية بين السوريين أنفسهم، تلبية لتطلعات الشعب السوري الوطنية، وانتهاء بالإصرار على مواصلة الحل السياسي للأزمة، المترافق مع الإنجازات الميدانية الوطنية السورية المتتابعة.
ونؤكد في ذلك أن مواجهة الإرهاب والتطرف باتت اليوم، أكثر من أي وقت مضى، مهمة وطنية ودولية، ولهذا استحقاقاته ومتطلباته أيضاً.