أدنى مستويات التنفيذ الانفاق الاستثماري.. حصاد مخيب للآمال بلا محاسبة

 

فشلت معظم الوزارات في تنفيذ خططها الاستثمارية في موازنة العام الجاري، ووجد الوزراء المبررات الكافية لإقناع المتسائلين حول هذا الفشل؟ دون أن يقدموا إجابات واضحة ومقنعة تتعلق بالآثار السلبية القاتلة الناجمة عن هذا الفشل، والانعكاسات التي ستترتب على الاقتصاد الوطني. كما بدا لافتاً غياب المحاسبة، البرلمانية بالدرجة الأولى، لهذا الفشل الذريع في إنفاق اعتمادات استثمارية مُقَرَّة منذ عام، وظهر الأمر وكأننا نبحث عن مبررات أكثر من السعي إلى معالجة الموانع التي حالت دون تنفيذ موازنة استثمارية هزيلة بكل ما تعني الكلمة من معنى.

في الفترة المنصرمة، ناقشت لجنة الموازنة والحسابات في مجلس الشعب، مع الوزارات، نسب تنفيذ الخطط الاستثمارية للعام ،2012 وخطط العام القادم، فتبيَّن أن نسب التنفيذ كانت مثيرة للتساؤل، وتدعو للابتسام، وتجعل من الخطط مجرد كلام يقال، لا يلتزم مطلقوه أبداً به. ولجأ الوزراء إلى رمي الكرة في ملعب الأزمة السورية المستمرة منذ 21 شهراً دامياً، وتداعياتها، وما ترتب عليها من آثار ومنعكسات. كان من أولى نتائجها هذا الحصاد المخيب للآمال. كما وجد الوزراء ضالتهم في العقوبات الاقتصادية  الأوربية والأمريكية المفروضة على سورية، لوضع مبررات تُساق في معرض الدفاع عن قضية لا تحتاج إلى دفاع إطلاقاً، لأن آثارها الكارثية، لا تتطلب الدفاع بقدر المعالجة الفورية، والمحاسبة الصارمة على التقصير.  لم تتمكن الحكومة بوزرائها الثلاثين،  أن تنفق 377 مليار ليرة خلال عام كامل. ولغاية أيلول الماضي لم تتجاوز نسب التنفيذ لدى بعض الوزارات أكثر من 32 بالمئة، وبالمسطرة ذاتها يمكن القياس على الوزارات الأخرى، مادامت الظروف العامة هي ذاتها، وعلى افتراض هناك وزارات أخرى تمكنت من إنفاق ما رُصد لها من اعتمادات، فهذا يستدعي سؤالاً أكثر إيلاماً: هل الظروف العامة التي تعيشها البلاد والتي تلطَّى خلفها وزراء لم ينفذوا خطط وزاراتهم الاستثمارية لا تنطبق على الوزارات الأخرى؟ هو السؤال الذي يؤرق معظم المحللين والباحثين والمهتمين بالشأن العام، والقوى النقابية والحزبية المدافعة عن زيادة دور الدولة في الحياة الاقتصادية، وعدم الاقتناع جذرياً بضرورة انحسار هذا الدور، وإعطائه للقطاع الخاص، وهو السؤال الذي يكشف الكثير من الخفايا، ويمكن من خلاله تقييم أداء الوزراء.

قبل سنوات كان انخفاض نسب تنفيذ الخطط الاستثمارية، أحد أهم الأسباب التي استند إليها النائب الاقتصادي السابق عبدالله الدردري، في معرض خفضه لاعتمادات الإنفاق الاستثماري في خطته الخمسية العاشرة، وموازنة الدولة في سني تلك الخطة. لكن الواضح أن هذا التراجع الكبير في اعتمادات الخطط الاستثمارية يلازمه على الدوام انخفاض في نسب التنفيذ، أي إن هناك حالة عامة تعانيها الوزارات ترتبط بعجزها عن تنفيذ الخطط الاستثمارية، فشتان ما بين الإنفاق بمعنى سعي هذه الوزارات لصرف هذه الاعتمادات بأي شكل من الأشكال، وبين تنفيذ الخطط المقرة والمصادق عليها بحذافيرها. كما أن خفض اعتمادات الخطط الاستثمارية لدى وزارات الدولة، مؤشر على الرغبة الحكومية في التراجع عن السياسات الاقتصادية التي كانت تعزز دور الدولة في الحياة الاقتصادية، وتزيد من حجم الحكومة في الاقتصاد، واتباع سياسات اقتصادية وتنموية جديدة تُطلق يد المستثمرين والقطاع الخاص، دون ضوابط، وبلا خطط، وبعدم التزام، ودون تحديد ما هو المطلوب، وماذا يجب أن تستهدف؟ ما يؤدي إلى خلق أزمة تنموية اقتصادية عامة، تفرز المزيد من المشكلات الاقتصادية والاجتماعية.

إن أكثر المؤشرات خطورة، هو تكرار المشكلات ذاتها، والتعرض للتحديات عينها، فنسب التنفيذ المنخفضة في الخطط الاستثمارية قضية قديمة في الاقتصاد السوري، عالجتها الحكومات المتعاقبة بطريقة مثيرة للتساؤل، من خلال خفضها هذا الإنفاق تباعاً حتى بات في أدنى درجاته، ولايعبر عن الرغبة والطموح المطلوبين من الإنفاق الاستثماري، لبلد ثبت بما لايدع مجالاً للشك، أن الإنفاق العام هو القادر على خلق التنمية، ومعالجة المشكلات الاقتصادية المتعددة وأبرزها البطالة. إنفاقنا الاستثماري لم يك في يوم من الأيام مرضياً، والمعالجة الحكومية لهذه المعضلة الشائكة أيضاً لم تك في يوم من الأيام مرضية، الأمر الذي جعل الاقتصاد الوطني يواجه مصيراً غير مرغوب فيه، بدليل أن الحكومة خفضت من جديد اعتمادات الإنفاق الاستثماري في موازنة العام القادم مئة مليار ليرة مقارنة بموازنة العام الجاري، وهو ما يرسخ مقولة معالجة الخطأ بخطأ مماثل.

العدد 1140 - 22/01/2025