لماذا لا تُشكّل فرق مشتركة للرقابة على الأسواق؟.. الغش في السلع والمواد الأساسية ينمو في أسواقنا

الأزمة الراهنة التي تمر على سورية أفرزت العديد من التداعيات السلبية على أسواقنا، منها انتشار الغش والتدليس والتزوير في الكثير من المواد والسلع الأساسية والأدوية وغيرها..، بالطبع ظاهرة الغش لا تعتبر جديدة على أسواقنا، ولكن الأزمة الراهنة كانت مناخاً مناسباً لخروج فئة المستغلين وعديمي الضمير في أسواقنا، حتى باتوا يستغلون أي شيء ليحققوا أرباحاً مضاعفة، ضاربين بعرض الحائط صحة المواطن والنتائج التي قد تسببه هذه المواد المغشوشة له، وكان آخر المواد التي تم ضبطها في أسواق دمشق وريفها وفق إحدى الصحف المحلية، هي مادتي الحلاوة والطحينة، فقد احتوت عينات من هاتين المادتين على مواد سامة، وسنأتي على ذكر أهم المواد التي تعرضت للغش والتدليس مع ذكر الحلول في كشف أنواع الغش.

اللحوم.. وماذا عن الأسماك الفاسدة؟

لم تسلم مادة اللحوم من الغش والتدليس أيضاً باختلاف أنواعها وأصنافها، فها هو ذا رئيس اتحاد حرفيي دمشق مروان دباس يحذر مؤخراً، من دخول كميات كبيرة من الأسماك الفاسدة من لبنان إلى سورية، بعد أن أثارت إحدى القنوات اللبنانية، قضية الأسماك الفاسدة التي تدخل إلى الأسواق اللبنانية دون مواصفات ودون اسم تجاري أو صلاحية، وتباع بأسعار بخسة على شكل (فيليه)، وأشارت القناة اللبنانية إلى أن هذه الأسماك كانت تربى في مياه المجارير ويتم تنظيفها بمواد تسبب مرض السرطان، وها هي ذي الأسماك الفاسدة تدخل الأسواق المحلية السورية من لبنان، ونخشى أن لا يجري التحرك لمكافحة هذه الأسماك، ولفحص باقي أنواع الأسماك الواردة إلى الأسواق المحلية، ويبقى السؤال الأهم هو: كيف دخلت هذه الأسماك وخاصة أن رئيس اتحاد حرفيي دمشق قال بأن شاحنات كبيرة (برادات) كانت تحمل هذه الأسماك؟!، لذا نؤكد أن على الجهات الرقابية على الأسواق أن تتحرك لمكافحة أي نوع من الأسماك مشبوه به.

اللحوم الحمراء لم تسلم أيضاً من الغش والتدليس، فهناك لحوم مخلوطة بلحوم غير معروفة، ولحوم ملونة بملونات الأحمر، وعلى الرغم من ارتفاع أسعار اللحوم إلا أن الغش لا يزال قائماً بها، وكأن بعض بائعي اللحوم لم يشبعهم الربح الوفير الذي يحققوا بل يريدون أن يحققو مكاسب فاحشة على حساب صحة المستهلك، وحالياً تشهد أسعار اللحوم الحمراء ارتفاعاً مخيفاً، وصل إلى أكثر من ألفي ليرة للكيلو الواحد، وذلك في رد فعل على قرار تصدير الأغنام وذكور الماعز، بالرغم من قلة الكمية المسموح بها للتصدير مقارنة مع الكميات التي صدرت خلال الأعوام الماضية، ولكن الغريب أن تقوم وزارة الاقتصاد بالتعاون مع وزارة الزراعة بإصدار قرار كهذا، بغياب أرقام ولو عامة عن حجم الثروة الحيوانية الموجودة لدينا وفي ظل الارتفاع السابق للحوم في أسواقنا، فالأولى أن يتم إشباع أسواقنا أولاً من أي مادة قبل أن يتم تصديرها، ونعلم أن الأسواق الخارجية يجب المحافظة عليها وأنها تجلب القطع الأجنبي إلى البلاد، ونعلم أن التصدير أيضاً من شأنه أن يدعم المربي ويجعله يحقق أرباحاً مضاعفة، ولكن لا ننسى أن قرار التصدير في ظل غياب مؤشرات حقيقية تظهر الصورة الواقعية لهذه الثروة يعتبر قراراً مستعجلاً وغير مدروس جيداً، فالأولى أن يتم إحصاء الثروة الحيوانية حالياً التي فقدنا منها الكثير وهرّب ويهرّب منها الكثير إلى الدول المجاورة، ومنع استنزاف هذه الثروة وتقديم الدعم للمربين قبل البدء بالتصدير، فالمواطن من حقه أن يأكل اللحم الأحمر، وإن ما قيل بأن أسعار اللحوم الحمراء مرتفعة منذ زمن وأن قرار التصدير لن يؤثر على أسعارها باعتبارها مرتفعة سابقاً، هو كلام غير دقيق، فمن المعلوم أن أسواقنا متعطشة لقرارات رفع الأسعار وهي تتميز بسرعة الاستجابة لعوامل رفع الأسعار حتى قبل أن تحدث.

مشتقات الحليب.. وقرار الاستيراد

الألبان والأجبان ومشتقات الحليب، كانت أيضاً من المواد الأكثر تعرضاً للغش في أسواقنا، فهناك لبن مغشوش وهناك لبنة مخلوطة بحليب البودرة وهناك حليب وضع له زبدة من أجل أن يحقق نسبة من الدسم، عدا خلطه بالماء، وأيضاً رغم ارتفاع أسعار مشتقات الحليب كافة، إلا أن الغش لم يتوقف بها، وهو على قدم وساق، ومن النادر حالياً، أن تحصل على كيلو لبنة حقيقي لا يحوي على مواد غذائية أخرى مخلوطة به، وكان آخر إجراء حكومي قامت به وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية، أن سمحت باستيراد الألبان والكشدة، والغريب في هذا القرار أن أسواقنا مشبعة بهذه المواد، بغض النظر عن ارتفاع الأسعار والغش فيها، ولكن القرار يعتبر غير قابل للتنفيذ وفق جمعية الألبان والأجبان في دمشق وريفها، لأن هذه المواد سريعة التلف ولا يمكن لها الصمود في الطرقات لمسافات بعيدة، كما أن معظم البلدان المجاورة لسورية تعتبر بلداناً مستهلكة وليست منتجة لهذه المواد، فلبنان تستورد مشتقات الحليب من سورية، وكذلك الأردن، وفي حال الاستيراد ووضع هذه المواد ضمن برادات لحين وصولها إلى الأسواق المحلية، فإن ذلك سيضاعف أسعارها أضعافاً مضاعفة، فمثلاً سعر كيلو اللبنة في لبنان يصل إلى 800 ليرة، في حين يصل سعرها في سورية 400 ليرة. ولم يسلم الحليب أيضاً من التهريب، إذ أشار رئيس اتحاد حرفيي دمشق مروان دباس في أحد تصريحاته أن تهريب الحليب يتم بشكل يومي من سورية إلى لبنان.

الدواء والمعلبات.. وتزوير الصلاحية

المعلبات حالياً يكثر فيها التلاعب في تاريخ الصلاحية، سواء من حيث تغيير التاريخ ووضع لصاقات على المعلبات غير حقيقي للمواصفات، وكشف ذلك تموين دمشق أكثر من مرة، وينطبق ذلك على الأدوية أيضاً للأسف، فقد ضُبط الكثير من المستودعات التي تحتوي على أدوية منتهية الصلاحية سواء في حلب أو ريف دمشق، وبالطبع المستهلك لا يعلم صلاحية الدواء، لأن الدواء حالياً يباع دون تغليف، ولكن عندما يشرب الدواء ويصاب بتسمم، يعلم أن الدواء كان سبباً في زيادة مرضه وربما في وفاته أيضاً. وقامت وزارة الصناعة مؤخراً بإرسال تعميم إلى اتحاد غرف الصناعة طلبت فيه عدم السماح لأي مطبعة بطباعة أي لصاقة خاصة بالمستحضرات الدوائية قبل الحصول على الموافقة المطلوبة، وذلك كإجراء لوضح حد لتزوير الأدوية.. مما يعتبر مؤشراً على وجود أدوية مزورة في الأسواق ويجب مكافحتها.

ضرورة تشكيل فرق رقابة مشتركة من جميع الجهات..

بالطبع الأزمة الراهنة كما ذكرنا كانت بيئة مناسبة لنمو تجار الأزمات والمستغلين، وعلى الجهات الرقابية أن تجد آلية جديدة لمكافحة هذا الغش والتزوير للسلع في الأسواق، والأهم من ذلك يجب العمل والتعاون والتشارك بين مختلف الجهات (وزارة التجارة الداخلية واتحاد الحرفيين بجميع جمعياته، وجمعية حماية المستهلك وغيرها من الجهات مثل اتحاد غرف التجارة والصناعة والزراعة)، لمكافحة الغش والتدليس والتزوير في الأسواق، فهم يملكون خبرة في مجال أعمالهم، كل حسب اختصاصه، بحيث يتم تشكيل فرق رقابة على الأسواق مكونة من جميع الجهات المذكورة، وتعمل وزارة التجارة الداخلية على ذلك، فوفق ما ذكره وزير التجارة أنه سيتم التعاون مع اتحاد الحرفيين لتشكيل فرق رقابة على الأسواق، ولكن يجب الإشارة إلى أهمية منع الفساد بين عناصر الرقابة التموينية، الذي أشير إليه في الكثير من الصحف المحلية والمواقع الإعلامية المحلية، وقامت وزارة التجارة لمنع ذلك بأن خصصت دوريات رقابية على أداء عناصر التموين، ولكن يمكن القول لا بد من تغيير آلية العمل الرقابي حالياً، فالمراقب التمويني قد يعرض عليه إغراءات مالية كبيرة في سبيل السكوت عن مخالفة معينة، وقد يقبل بها وذلك حسب وضعه المالي أو الأخلاقي أو المهني، ولكن لسد الباب أمام هذه الفساد، نقترح أن يحصل المراقب التمويني على نسبة معينة من قيمة المضبوطات التي يضبطها، وفق مبدأ عمل عناصر الجمارك، لا أن يتم وضع شخص عطش في بركة ماء ويقال له لا تشرب، كما قال رئيس جمعية حماية المستهلك عدنان دخاخني في أحد تصريحاته.

ونؤكد ضرورة تكثيف الرقابة التموينية على الأسواق ومنع الاستغلال والتدخل من الجهات الحكومية في الأسواق لكسر حدة الأسعار، كما نؤكد أهمية منع الفساد في الرقابة وعدم التهاون مع أي فاسد.

العدد 1140 - 22/01/2025