زيادة أسعار المازوت قرار غير شعبي والحكومة أيضاً
فوتت الحكومة فرصة ذهبية لإغلاق ملف المازوت، وتحرير أسعاره، وتخليص نفسها من العبء الذي يثقل كاهل موازنتها سنوياً، والبالغ 250 مليار ليرة كدعم للمحروقات في موازنة هذا العام. فمع رفع حكومة وائل الحلقي لسعر ليتر المازوت، عشر ليرات إضافية وليرة أخرى خدمة توصيل، يستقر سعر الليتر على 36 ليرة، وهو أعلى رقم وصلت إليه الزيادات المتلاحقة في أسعار المازوت محلياً، في إطار رغبة الحكومة تحريك أسعار المازوت، ورفعها تدريجياً.
وكان بإمكان الحكومة أن تستمر في توجهاتها الليبرالية الواضحة، والبعيدة جداً عن الواقع المأسوي الذي يعانيه مواطنوها، وتتخذ قراراً قاسياً، ومؤلماً جداً، برفع سعر المازوت إلى المستويات العالمية، ولديها من المبررات ما يكفي لتمرير القرار، وأبرزها:
يدفع المواطنون اليوم سعر ليتر المازوت ما يقارب 80 ليرة في الأسواق السوداء دمشق وريفها، بينما في بعض المحافظات التي تشهد أعمال عنف متبادل تفوق الأسعار في بعض الأحايين 200 ليرة لليتر الواحد. وهذا يعني أن السعر الحقيقي في الأسواق المحلية للمازوت يفوق السعر الذي حددته الحكومة.
معظم الفعاليات الاقتصادية، صناعيين وتجاراً، حددوا أسعار منتجاتهم وفقاً لسعر محروقات مرتفع، يصل إلى أكثر من ضعفَيْ السعر الرسمي، والتزم المواطنون بصفتهم مستهلكين للسلع والمنتجات والخدمات التي تقدمها هذه الفعاليات بالأسعار المفروضة بناء على سعر المازوت المرتفع، وهمهم الوحيد هذه الفترة استمرار توافر هذه المنتجات والخدمات بغض النظر عن السعر، بعد أن بات بحكم المؤكد أنه لا يمكن للجهات الرقابية ضبط الأسعار في الأسواق، أو وضع حد للجشع والاستغلال الممنهج والفساد المعلن في هذه المجالات.
إن وسائل النقل البرية على اختلافها، الشحن ونقل الركاب، تتقاضى أجوراً بناء على سعر المازوت المرتفع 80 ليرة، ورغم كل الإنكار الحكومي ودعوات المكاتب التنفيذية في المحافظات والجهات المسؤولة عن التسعير والرقابة المتكررة، للالتزام بالتسعيرة المحددة، والمحسوبة على أساس سعر ليتر المازوت 25 ليرة، إلا أن كل ذلك ظل هباء منثوراً، ولم يلتزم به أحد، حتى في دمشق، التي تعد يد الرقابة هي الطولى، مقارنة بمحافظات ومناطق أخرى تغيب عنها الرقابة على الأسواق وحماية المستهلك، فتصبح الأمور أشد وطأة.
باختصار، هذه بعض المبررات التي كان يمكن للحكومة أن تستند إليها، وترغم المواطنين على الرضوخ لإرادتها، وترفع سعر ليتر المازوت إلى المستويات العالمية، مستندة في ذلك أيضاً إلى عجزها الواضح عن تأمين المادة بالسعر الرسمي، وعدم قدرتها على إلزام مقدمي الخدمات المختلفة باحتساب كلفة خدماتهم وفقاً للسعر الرسمي. وكان من الممكن أن تعبر البلاد، رغم أزمتها السياسية الخانقة، هذا المنعطف بأقل الخسائر ودونما احتجاجات أيضاً، بل سيكون قرار كهذا أشبه بوضع النقاط على الحروف، والاستسلام للواقع الذي لم تتمكن الحكومة من تغيير معالمه للأفضل.
هذا المشهد، أو السيناريو، أو الخطة، قد يتقبله المواطنون برحابة صدر، وربما يدعمونها أيضاً، في حال أضيف إليها شرط لازم، وضروري، وحتمي، يدغدغ أحلامهم، ويشعرهم باهتمام حكومتهم بقضاياهم، وبشؤونهم المعيشية بخاصة والشرط يتعلق بتقديم التعويضات للأسر السورية، لاسيما الأسر المستحقة، والتي تحتاج إلى دعم وتعويضات تخفف آثار الرفع المتتابع لأسعار المحروقات، وانعكاساتها السلبية، وهي بالتأكيد تعويضات لن تكون إلا جزءاً بسيطاً من قيم الفوائد الاقتصادية والمالية التي ستحققها الحكومة من زيادة سعر المازوت. وثمة تجربتان سابقتان اعتمدتهما حكومة ناجي عطري الأخيرة بتقديم قسائم تعادل 1000 ليتر مازوت، أو قيمة ذلك مالياً. وهو ما يمكن أن يسهم في دعم تمرير قرار كهذا، مادام المواطنون يدفعون ثمناً لكل الخدمات وفقاً لسعر السوق السوداء، واعتادوا على هذا الأمر، ولم يعد أمامهم الكثير من الخيارات الممكنة والقادرة على معالجة الواقع المأسوي.
موقف الحكومة الغامض من قرارها غير الشعبي، واتباعها طرقاً غير فعالة دائماً، وحرفها النقاش عن جوهر القضية، إلى قضية شكلية تتعلق بمن وقع القرار، يثير الريبة والتساؤلات في الوقت عينه؟ إذ إنها منذ أيار الماضي حتى الآن حركت سعر المازوت أربع مرات على التوالي: من 15 ليرة إلى 20 إلى 23 إلى ،25 وأخيراً إلى 35 ليرة لليتر الواحد، وبذلك تجاوزت نسبة الزيادة مئة بالمئة، وبالتالي فقدت طريقة التحريك التدريجي جدواها، ولم تعد قادرة على الإقناع، خاصة في ظل رغبة حكومية في عدم فتح ملف مواز لتحريك الأسعار وهو المتعلق بالتعويض على الطبقات المستحقة. ولن تكون هناك نقمة شعبية على رفع أسعار المازوت، فالمواطن ينطبق عليه المأثور الشعبي (الذي شرب البحر لن يغص بالساقية)، وبعد أن دفع مرغماً 80 ليرة ثمناً لليتر المازوت الواحد على مدى أشهر، وخسر أكثر من ذلك، لن يثير قرار رفع أسعار المازوت رسمياً لديه أي تحفظات، ولن يؤثر على انخفاض شعبية الحكومة التي هي في أدنى مستوياتها.