البطالة… الغلاء.. وعودة القانون – ماذا يطلب المواطن من الحكومة الجديدة المرتقبة؟

الحكومة المرتقبة ماتزال حالياً قيد التشكيل، والمواطن وخاصة من ذوي الدخل المحدود، لا يهمه من سيتقلد منصب وزير التجارة الداخلية، أو وزير الاقتصاد، أو حتى وزير الموارد المائية، وغيرهم من الوزراء الذين يتعلق نشاطهم بخدمة المواطن مباشرة، فالكثير من المواطنين لا يعرفون أسماء الوزراء المتعاقبين على كراسي المسؤولية، لأن جلّ اهتمام المواطنين يقع غالباً على توفير متطلبات معيشتهم الأساسية فقط.

وهناك الكثير من الأمور التي تهم المواطن ويطلبها من الحكومة الجديدة المرتقبة، وتشمل معالجة العديد من قضاياه الحياتية، وأهمها:

البطالة

لا يخفى على أحد أن نسب البطالة في مجتمعنا أصبحت تنمو نمواً سريعاً في ظل الأزمة الراهنة.. وبالطبع للبطالة أثر بالغ على المجتمع وتركيبته. فوفقاً للكثير من الخبراء تقلصت الطبقة المتوسطة في المجتمع تتقلص سريعاً وانحدر كثيرون منها إلى الطبقة الفقيرة، مع ظهور طبقة الأثرياء والمستَغِلين والمتاجرين بقوت الشعب، وهذا من شأنه أن يكون له أثر سيئ بالغ على المجتمع. فالبطالة مفتاح السوء للمجتمع، ذلك أن العاطل عن العمل وخاصة ممن لديهم أسر، سيبحث عن أي شيء ليحصل على لقمة عيشه، ولا يخفى على أحد أن الظروف الراهنة جعلت من فرص العمل نادرة جداً، فمعظم الأعمال والمنشآت تعمل بحدها الأدنى، ومن لديه عمال يقوم غالباً بتسريحهم إلا ما ندر.

وفي تقرير أخير للمركز السوري لبحوث السياسات، ذكر فيه أن سورية خسرت ثلاثة أضعاف الناتج المحلي عن العام 2010 منذ بداية الأزمة، كما أنها أصبحت من أسوأ عشر دول في العالم، في نسب الالتحاق المدرسي، ونسب الفقر والبطالة، نتيجة لظروف الأزمة. وذكر المركز أن تصنيف سورية يأتي في المراتب الدنيا من حيث توفير فرص العمل اللائقة، مع عدم وجود ضمانات صحية وغيرها من أنواع الضمان، ولم نتمكن منذ عام 2000 إلى عام 2010 إلا من تشغيل 200 ألف فرصة عمل وهو رقم ضئيل جداً، وقد أصبح أقل بكثير خلال الأزمة، مع وجود آليات طاردة للمرأة من سوق العمل.

ووفقاً لهذه المعطيات وغيرها فقد أصبح من الضروري أن تضع الحكومة القادمة في أوّلياتها وضمن أهدافها السريعة والإسعافية، توفير فرص عمل، لتحريك اليد العاملة العاطلة عن العمل، وبالتالي تحريك عجلة الاقتصاد ودفع براثن التعطل عن المجتمع، لما له من انعكاسات سلبية كبيرة جداً لمسناها سابقاً وماتزال تفعل فعلها.

الغلاء

الحديث عن الغلاء له شجون، ولا نقصد بالغلاء فقط غلاء الأسعار الخاصة بالمواد الغذائية، بل إن كلمة غلاء تشمل العديد من الخدمات والسلع التي تعتبر أساسية لأي مواطن في حياته اليومية، إذ يواجه المواطن حالياً غلاء في أسعار العقارات والمنازل، واستغلالاً واضحاً من قبل المؤجرين، وخاصة للأسر المهجّرة التي تعاني الكثير في ظل عدم توفر مسكن لهم، ذلك أن الكثير من الأسر فقدت منازلها بفعل الإرهاب الذي طال مناطق سكنهم.. ووفقاً لدراسة نشرت العام الماضي في إحدى الصحف المحلية، فقد بلغ عدد المساكن التي تعرضت للدمار الكامل على مستوى سورية، إلى نحو 535 ألف تقريباً، تتراوح مساحة كل من هذه المساكن بين 50م2 إلى 250م2 وتبلغ تكلفة إعادة إعمارها نحو 68 مليار دولار، وذلك وفق ما أكدته دراسة قام بإعدادها الباحث والخبير في الشؤون العقارية عمار يوسف، الذي أشار ضمن الدراسة إلى أن نحو 3 ملايين هو عدد المشردين منذ بداية الأزمة، وهذا يجعل الحكومة الجديدة أمام تحد حقيقي في توفير سكن بديل للأسر المهجّرة بأسعار زهيدة تتناسب ودخلهم المعدوم، لحين عودة الأمن والأمان إلى مناطقهم، مع وقف الاستغلال الذي يتعرضون له من قبل المستغلين والمتاجرين، حتى باتت أجرة شقة غير مكسية (على العظم) نحو 15 ألف ليرة، وبالطبع هذه الأوجاع يعانيها الكثير من المواطنين، ويجب على الحكومة أن تراها وتلمسها، وأن تجد لها الحل السريع والأمثل، وأن تكون ضمن سلم أولوياتها.

ومن الغلاء الذي طال المواطن غلاء أسعار المواد الغذائية على اختلاف أشكالها وأنواعها، فقد ارتفعت أسعار الخضار والفواكه والمواد التموينية، سواء المدعومة حكومياً أو الحرة في السوق المحلية، كما ارتفعت أسعار الأدوية والمعاينات الطبية والمشافي الخاصة ارتفاعاً مخيفاً يتحدى قدرة حتى ميسوري الحال، وبات المريض محتاراً: هل يذهب إلى الطبيب ليكشف على مرضه، أم يتناول الأدوية بنفسه لكي يوفر عليه أجرة الطبيب.. وبات الذي يذهب إلى المشفى الخاص كأنه يذهب إلى حتفه، فأسعار المشافي الخاصة أصبحت كاوية لدرجة غير منطقية.

ومن الغلاء أيضاً ارتفاع أجور النقل التي أصبحت تقضم وتأكل الدخول يومياً وساعياً، فباتت عمليات النقل والتنقل لاعباً أساسياً في رفع الأسعار وضياع الدخول لدى معظم الأسر، حتى إن الغلاء طال الخدمات التي تدعمها الحكومة، فرفعت أسعار الكهرباء والماء والاتصالات على اختلاف أشكالها، ورُفع سعر المازوت والغاز والبنزين والحطب والكاز والخبز والسكر والأرز، حتى الفواتير أصبحت مثقلة بضرائب ورسوم باهظة تواجه ذوي الدخل المحدود، ذلك أن النظام الضريبي مازال يستند إلى الضرائب المباشرة ويترك أو يتجاهل الضرائب غير المباشرة التي يفلت منها كبار التجار والصناعيين.

الحديث عن الغلاء كما ذكرنا له شجون، فلم يعد هناك سلعة أو مادة أو أي شيء إلا وتضاعف سعره أضعافاً مضاعفة، وبالطبع هذا له أسبابه ونتائجه، ولا يخفى على أحد ما هي أسبابه، ولكن المواطن حالياً ينتظر ويتأمل ويتمنى من الحكومة الجديدة، بل ويطالبها، بأن تعمل على خفض الأسعار، وتحسين الدخول، ورفع مستوى المعيشة بحيث تجعل قدرته الشرائية أكبر، وتحدث نوعاً من التوازن بين الدخول والأسعار، إما بالتدخل أو بالرقابة أو برفع الدخول، أو بزيادة الإنتاج المحلي، أو بالخطوات جميعها معاً.

عودة القانون

الشغل الشاغل لمعظم المواطنين هي الكهرباء، وعدالة التقنين، ووقف المستغلين، ومكافحة السرقة والتعديات، كما يأمل المواطن من الحكومة الجديدة أن تفعّل القوانين، وأن يكون القانون هو السائد في الحركات والسكنات، وأن يكون احترام الوطن والإنسان فوق أي اعتبار، ولا يتحقق ذلك إلا بعودة الأمن والأمان إلى ربوع الوطن، مع المحافظة على الحقوق الشخصية والعامة، ومكافحة الفساد والترهل في مختلف مفاصل المؤسسات، هذه المفاهيم والمعايير يجب على الحكومة الجديدة العمل عليها وتطبيقها ومتابعتها وعدم التهاون مع المخلّين بها.

بالطبع المواطن لديه هموم كثيرة، فهو يعاني الكثير من الصعوبات المعيشية حالياً، ويأمل من الحكومة الجديدة المرتقبة ألا تنساه وألا تتجاهل معاناته، وخاصة ذوي الدخل المحدود والعاطلين عن العمل والمهجرين، هؤلاء يتعلقون بالأمل ويتمسكون بتراب الوطن، فهلا قامت الحكومة الجديدة بالوقوف على معاناتهم وتلبية احتياجاتهم؟.

أخيراً نود تأكيد أن الحكومة المرتقبة يقع على عاتقها العديد من القضايا المعيشية والاقتصادية والخدمية، فنحن في حالة حرب، وهذه الحالة تتطلب تحركات استثنائية وقرارات مدروسة وبدائل متوفرة ومخططاً لها مسبقاً، لذا نأمل للحكومة الجديدة المرتقبة أن تكون مع الفقراء وذوي الدخل المحدود وليست عليهم.

العدد 1140 - 22/01/2025