مشروع المنطقة العازلة جنوباً.. الخفايا والمخاطر

يثير مشروع المنطقة العازلة في الشريط الحدودي للجولان السوري المحتل مخاطر عديدة لجهة دخول إسرائيل المعلن رسمياً على خط الأحداث الجارية في سورية، وطبيعة تعامل المجموعات المسلحة الإرهابية مع الكيان الصهيوني، فضلاً عن خفايا هذا المشروع وتبعاته راهناً ومستقبلاً، بعد تجربة الشريط الحدودي الذي أقامه جيش لبنان الجنوبي وتداعياته وما انتهى إليه أيضاً.

فالمشروع الذي أعلنت سورية في بيان رسمي حاد وشديد اللهجة صادر عن وزارة الخارجية والمغتربين، رفضها إقامة أية منطقة عازلة على أي شبر من أراضيها، ونبهت إلى مخاطره، أكدت أن تزامنه مع ما طرحته تركيا حول إقامة منطقة عازلة، أو حظر جوي في منطقة الحدود السورية – التركية بذرائع إنسانية (مخيمات نازحين ولجوء مؤقت) يظهر مخاطره، ويؤكد ما حلمت به إسرائيل ومن خلفها الولايات المتحدة الأمريكية حول إشغال سورية في ملفاتها الداخلية على حساب دورها الوطني والقومي.

وكشفت في الوقت نفسه حقيقة الشعارات التي طرحت منذ بداية الأزمة، حول مواضيع التغيير والديمقراطية المزعومة، وصولاً إلى الصراع المسلح الذي تخوضه مجموعات إجرامية صنف بعضها غربياً بالإرهابي، وبعضها الآخر بـ(المعتدل)، التي مازالت الإدارة الأمريكية والعديد من حلفائها يصرون على دعمه لوجيستياً ومادياً وعسكرياً، وتطالب واشنطن وكلاءها بتوفير قواعد تدريب وارتكاز له.

فالمشروع  مرة أخرى يطرح وطنياً – سورياً التمايز بين موقفين واتجاهين، باتا شديدي الوضوح، الأول وطني يمثل الدولة السورية بمكوناتها السياسية والاجتماعية بما فيها قوى المعارضة الوطنية التي وقفت ضد تدخل الخارج والعدوان على سورية، ويعمل على الحفاظ على سورية دولة وكياناً، ويتصدى لمشاريع القوى الخارجية الإقليمية والدولية، العاملة على إدامة الأزمة، والثاني يجمع المجموعات الإرهابية المسلحة (متشددة) أم (معتدلة)، تدعمه أدوات محلية وإقليمية ودولية، يسعى إلى إبقاء الأزمة قائمة، وإبقاء سورية منشغلة بأوضاعها الداخلية.

وتزداد الأمور فجاجة، في ظل إعلان الكيان الصهيوني وفي أكثر من مناسبة وعلى لسان مسؤولين رفيعي المستوى دعمه اللوجيستي وخدماته العسكرية، وصولاً إلى خدماته الطبية المعلنة لعناصر هذه المجموعات، التي يصنفها الواقع الوطني السوري، بأنها وصلت إلى درجة العمالة والخيانة المباشرة لسورية الدولة والوطن. فمن يدعي أن هذا الكيان يعمل من خلف الستار، وأن مساعداته لهذه المجموعات طبية وإنسانية، تفندها تصريحات قادة العدو الصهيوني حول تقديمه هذه المساعدات متعددة الأوجه، وليس آخرها، تقديم المساعدات اللوجيستية في منطقة الشريط الحدودي، خلافاً لاتفاقية الهدنة وتوفير الدعم لهذه المجموعات في إقامة مناطق نفوذ عسكري لها في هذه المنطقة، تسعى إسرائيل من خلالها إلى تكرار تجربة جنوب لبنان وشريطه الحدودي، وبأن استمرار هذا الصراع (الداخلي) السوري يوفر على إسرائيل احتمالات (إبعاد) شبح المواجهة مع دمشق أو تأجيلها راهناً، بوصفها دولة وطنية لها أراض محتلة ولها الحق في ممارسة أشكال المقاومة للمشروع الصهيو- أمريكي.

ويزداد الفرز إقليمياً ودولياً، مع التصريحات الصادرة عن الدول التي تعاملت إيجاباً مع الأزمة السورية، والآخذة بالاتساع، وفي الصدارة منها إيران وروسيا والصين وغيرها، التي أعلنت بمجموعها رفضها لمشاريع الحظر الجوي أو المناطق العازلة وتنديدها بها، سواء في جنوب سورية ومنطقة الشريط الحدودي تحديداً، أو في شمالها على امتداد الحدود السورية – التركية، وصولاً إلى التهديد بأن من شأن هذه المشاريع إيجاد بؤرة توتر وعدم استقرار ستشمل عاجلاً أم آجلاً مناطق أخرى في الشرق الأوسط.

إن تكرار تجربة جنوب لبنان وتداعياتها من جهة، وانعكاساتها المباشرة على الحالة اللبنانية من جهة ثانية، خاصة بعد أن اتضح أن انعكاسات ما يجري في سورية على الحالة اللبنانية، لا تقتصر فقط على منطقة الحدود اللبنانية – السورية، وإنما تمس الحالة اللبنانية عموماً من الجنوب إلى الشمال.

فمشروع إقامة المناطق العازلة جنوباً، والمتزامن مرة أخرى مع أطروحات إقامتها شمالاً، لم يجد حتى تاريخه إلا تأييداً فرنسياً لهذا المشروع في الشمال السوري، وتفهماً أمريكياً أحياناً، أو الإشارة إلى تعقيداته وانعكاساته سلباً على المنطقة عموماً، وصولاً إلى إدخاله في دوامة تتجاوز مسألة التغيير والديمقراطية المزعومة، واتساعها لتفتح ملفات مؤجلة راهناً لاعتبارات جديدة.

أن هذا المشروع يتجاوز مخيمات إيواء للنازحين السوريين، اضطراراً في تركيا، ويطرح تجربة مريرة إقليمياً ودولياً، في منطقة الجنوب السوري- الشريط الحدودي، ستتجاوز أبعادها أيضاً الحالة السورية، ويفترض بها إعادة الفرز في الساحة السورية، بعد وصول هذه المشاريع مرحلة العمالة والخيانة المعلنة، وما يفترض أن تنتجه من إعادة ترتيب للأوراق السورية وطنياً، ومن إحراجات لما يسمى بالمعارضة (المعتدلة) المدعومة رسمياً وعلناً من الإدارة الأمريكية وللمجموعات المسلحة الإرهابية الموغلة في خيانتها أيضاً.. كذلك ما تتطلبه هذه المشاريع من المعارضة الداخلية رموزاً وقوى من جهة ضرورة إعادة ترتيب شعاراتها وأولوياتها، وتصحيح مواقفها وكيفية تعاطيها مع الأزمة السورية، بعد أن وصلت العمالة والخيانة حدود الإعلان عن مواقف فردية، أو تقاطع مشاريع المعارضات الخارجية والمجموعات المسلحة الإرهابية مع المشاريع الإقليمية – الصهيونية أيضاً.

في الوقت الذي تؤكد فيه هذه المشاريع صحة ما أشارت إليه سورية مبكراً، وحذرت من تداعياته، ومن مخاطر اتساعه، وهذا ما تدلك عليه التطورات العديدة، بدءاً من محاولة أمريكا وتحالفها الهيمنة المباشرة على المنطقة، إلى انكشاف ماهية المشاريع المرافقة لهذه المحاولات وارتباطها بالصهيونية بشكل صريح وواضح.

العدد 1140 - 22/01/2025