نتيجة انحدار الإنتاج.. أكثر من 10 مليارات خسائر أسمنت طرطوس في ثلاث سنوات..!

يعتقد بعض المسؤولين، سواء في الوزارات أو المديريات أو المؤسسات الإنتاجية، بأنه يحق لهم خرق القوانين والمراسيم والأنظمة، واستسهال التلاعب بالمال العام، والمزاجية في متابعة مصالح المواطنين والعمال، لمجرّد جلوسهم على كراسيهم، ضاربين عرض الحائط بكل التعليمات والتوصيات التي تحضّ على متابعة شؤون المواطن والعامل يومياً، بما يعزّز ثقة هذا المواطن وهذا العامل بحكومته وإدارته، ويعمّق في نفسه الشعور بالفخر والاعتزاز لأنه ينتمي إلى هذا الوطن.

ونحن إذ نتحدث عن كل هذا لا نبغي التجنّي على أحد، بل الوقوف على بعض الممارسات والتجاوزات والأخطاء الكارثية، لأننا آلينا على أنفسنا أن نطلق صرختنا بكل ما نملك من وثائق وحب لهذا الوطن، انطلاقاً من خطاب القسم للسيد الرئيس بشار الأسد في وجه من يتلاعب بالمال العام وبحقوق المواطنين والعمال في سبيل زيادة ثرواتهم وتحقيق مصالحهم الضيّقة والصغيرة والقذرة أحياناً.

وعند الحديث عن المخالفات والتجاوزات تقفز إلى الذهن مباشرة المبالغ المالية الطائلة التي خسرتها خزينة الدولة نتيجة حتمية لجشع البعض واستسهال السطو على المال العام، لتنفيذ مآرب قذرة وغايات شخصية منفعية تزيد من أرصدتهم التي جنوها بسبب تربعهم على كرسي المسؤولية لسنوات وسنوات دون مساءلة من أحد ودون فتح دفاترهم لكشف ما باتوا يملكون بسبب فسادهم وإفسادهم.

لقد كثرت الروايات والأحاديث عما حدث ويحدث في شركة طرطوس لصناعة الأسمنت ومواد البناء، وباتت هذه الأحاديث كقصص ألف ليلة وليلة وأكثر، والمشكلة أننا ابتلينا ببعض الوزراء الذين فقدوا جزءاً من ذاكرتهم، وربما لذلك كانت تصدر عنهم قرارات متناقضة بين عشيّة وضحاها تسببت بكوارث حقيقية لعمل المنشآت للإنتاج وللعلاقة بين العمال في تلك المنشآت.

سأذكر أسماء الأشخاص دون ترميز لهم، لأن من لا يحترم الوطن والعمال ومن لا يحترم الأمانة التي مُنحت له، يجب ألا نخاف على مشاعره، بل أجزم بأن أحد أهم وسائل محاربة الفساد وكشف الفاسدين هي تعريتهم عبر الصحف ومقاضاتهم بشكل علني عبر وسائل الإعلام المرئية، ليكونوا عبرة لكل من تسوّل له نفسه التلاعب بمقدرات الوطن وبالمال العام.

منذ أن كلّف المهندس علي جوهرة في عام 2010 مديراً عاماً للمعمل بدأ محاولاته الحثيثة لنهش ما يمكن نهشه من مال عام، سواء بعدم تدقيق العقود المضرّة بمصلحة الشركة والمؤسسة والدولة، أو بالتستّر على بعض التجاوزات لهذه العقود، أو بالكشوف الوهمية والمزيفة، والأخطر من هذا كله حصر التوزيع المباشر ببعض التجّار الكبار، وهذا واضح في كتاب السيد محافظ طرطوس برقم 143/ س/110 تاريخ 26/1/،2013 وإقصاء الكفاءات وتقريب الولاءات.. وسوف نورد في هذا الريبورتاج القليل عن مسيرة عمل هذا المهندس في الشركة والمؤسسة، وصولاً إلى القرارين المتناقضين لوزير الصناعة الذي نضع من خلالهما الكثير من علامات الاستفهام والتعجب على طريقة عمل هذا الوزير!

 

هل هكذا تُسند المهام يا وزير الصناعة؟!

من أغرب الغرائب ومن الأمور العجيبة التي لا يمكن لعقل مواطن من الدرجة السابعة أصيب بخيبات أمل متعددة وبنكسات وأزمات أخلاقية واقتصادية وثقافية، أن يستوعب هذه العبقرية التي يعمل بها السيد وزير الصناعة.. فتخيلوا أن يقوم رئيس مجلس الوزراء بناء على أحكام القانون الأساسي للعاملين في الدولة رقم 50 وعلى القانون رقم 2 وعلى المرسوم التشريعي رقم 11 وتعديلاته والمرسوم رقم 298 واقتراح السيد وزير الصناعة (وهنا مربط الفرس كما يقال) وعلى مقتضيات العمل، بإصدار قرارين، الأول بتاريخ 27 شباط 2014 ينص على انتهاء العمل بالقرار رقم 2050 تاريخ 9/2/2011 المتضمّن إسناد وظيفة مدير عام شركة طرطوس لصناعة الأسمنت ومواد البناء للسيد المهندس علي أحمد جوهرة لأسباب مخزية (كما ورد في مقترح الإعفاء الذي نضع بين أيديكم نسخة منه) وتكليف المهندس عهد حامد إدريس بتاريخ 2/3/2014 بوظيفة مدير عام شركة طرطوس لصناعة الأسمنت ومواد البناء.

طبعاً حتى هنا الأمر طبيعي وضمن المنطق، وخصوصاً أنه قد ورد في كتاب الإعفاء للمهندس علي جوهرة، ما يسوّغ ذلك، وهو يتلخّص بأنه جاء نتيجة لعدم امتلاك المهندس علي جوهرة للنظرة الاستراتيجية والتخطيط السليم وعدم استغلال الإمكانيات المتاحة لتحقيق أكبر كمية إنتاج. ولولا أن يكون السيد وزير الصناعة قد وقع في خطأ كارثي وتاريخي سيتردد صداه في وزارة الصناعة، وفي شركة أسمنت طرطوس لأجيال وأجيال، لكنا رفعنا القبعات له وصفّقنا على قرار كهذا يقضي على حالة الفساد والترهّل وهدر المال العام في الشركة.

أمّا أن يعود السيد الوزير بعد أقل من شهرين من إعفاء المهندس علي جوهرة ويصدر القرار الثاني بتاريخ 27/4/،2014 المتضمن تكليف المهندس علي جوهرة  بمهام مدير عام المؤسسة العامة للأسمنت في سورية، فهذا ما سبب صدمة لدى جميع من سمع بهذا القرار!! إذ كيف للوزير أن ينهي تكليفه بناء على ما جاء في كتاب الإعفاء ليعود ويكلفه بإدارة مؤسسة تعتبر من أهم المؤسسات في القطر، وتضم العديد من الشركات التي تعرّضت بشكل كلّي أو جزئي للتدمير والخراب بفعل جرائم العصابات المسلحة؟ فكيف لك يا سيادة الوزير أن تخالف قناعاتك ومعلوماتك عن المهندس علي جوهرة، وخاصة ما يتعلق بامتلاك النظرة الاستراتيجية والتخطيط السليم، وتقوم بإصدار قرار يناقض هذه القناعات بتاريخ 27/4/2014؟!. طبعاً هذا ما أثار الكثير من الشكوك فيما يتعلق بالطريقة التي جرت فيها إعادة المهندس المذكور وترقيته ؟!. نعتقد أنه من كان بهذه الصفات يا سيادة الوزير لن يكون قادراً على بناء هذه الشركات والنهوض بها دعماً للاقتصاد الوطني، خاصة أنه أدخل شركة منتجة وقائمة ورابحة إلى وضع سيئ جداً وإلى أدنى مستوى إنتاجي في تاريخه؟! من المؤكد أنه سيصل بهذه المؤسسة وهذه الشركات إلى الحضيض، وبالطبع نحن نعتمد على معلومات السيد الوزير التي ذكرناها سابقاً.

ملاحظة: بتاريخ 2/3/2014 تم تعيين المهندس عهد إدريس مديراً عاماً لشركة أسمنت طرطوس، وبتاريخ 6/7/2014 صدر قرار من رئيس الحكومة بإنهاء تكليف المهندس المذكور، وفي اليوم نفسه صدر القرار من وزير الصناعة، وفي اليوم نفسه أيضاً صدر القرار من المدير العام المهندس علي جوهرة الذي حمله باليد إلى الشركة وسلمه للمهندس عهد إدريس، وبعد ذلك أقام المهندس علي جوهرة، على مدى أسبوع تقريباً في الشركة، فعزل كل من كان يشغل مهمة حسّاسة في الشركة أثناء وجود المهندس عهد إدريس مديراً عاماً، والأنكى من كل هذا أنه أعاد المهندس جابر سلطاني إلى المستودع الرئيسي.. فتخيلوا؟!

 

بالأرقام.. ودون مجاملة ولا تجنّ

لقد تغنى المهندس علي جوهرة وفريق إدارته بالأرباح التي حققتها شركة أسمنت طرطوس خلال الأعوام السابقة (منذ 2010 حتى 2013)، وكذلك الوفورات في اعتمادات تأمين مستلزمات الشركة. نحن هنا لا نتجنى على أحد ولا نتبنى رأي أحد، بل نذكر بالوثائق والأرقام والثبوتيات التي تدعم كلامنا وهي بين أيدينا.

في نهاية الشهر الثاني من عام 2014 أعفي المدير العام المهندس علي جوهرة من مهامه للأسباب التي ذكرناها سابقاً، ونحن هنا لا ننكر عليه أرباح الشركة بالأرقام، وهي كانت نتيجة طبيعية لزيادة أسعار الأسمنت، ولا بسبب زيادة الإنتاج، وبالطبع هذا كما جاء على لسان السيد وزير الصناعة في أحد لقاءاته الصحفية التي نحتفظ بنسخة لدينا عنها. إضافة إلى الفرق في حساب أسعار مادة الفيول وغيرها من المواد خلال عام 2013 فمثلاً أسعار شراء الطن من مادة الفيول كانت عام 2013 بحدود 50 ألف ل. س، بينما أظهرت الميزانية الختامية للشركة أسعار الفيول 25000 ل. س (طبعاً كان هذا تزويراً ولعبة من مدير الحسابات في الشركة ومن خلفه، واللعبة هي تخفيض تكلفة طن الفيول لإظهار الربح)، وهذا يكفي لتحقيق مئات الملايين التي تدخل في حساب الأرباح، لكن لم يحدث للأسف ولو لمرّة واحدة الإشارة إلى تدني الإنتاج وفواته خلال سنوات الربح، ولا إلى الخسائر الكبيرة التي لحقت بالاقتصاد الوطني نتيجة سوء إدارة المذكور وعدم امتلاكه النظرة الإستراتيجية للتخطيط السليم.

طبعاً لو قارنا بين الإنتاج في عام 2010 وما تلاه من فترة إدارة المهندس علي جوهرة وفريقه للشركة، لوجدنا بالأرقام أن الإنتاج، من واقع الميزانيات الختامية للشركة قد تدنّى وفق مايلي: ففي عام 2010 كان 1.508.444طن، وفي عام 2011 تدنى إلى 1.415.479 طن،  فكان التراجع بحدود 92.965طن، وكانت الخسارة المالية المقدرة نحو502.011.000 في حين انخفض الإنتاج في العام 2012 إلى 1.153.236 وكان النقص والتراجع 355.208طن،  مما تسبب بخسارة 2.202.289.000ل. س وفي عام 2013 تراجع الإنتاج إلى 9.228.33طن (وهي أدنى نسبة تنفيذ للخطة الإنتاجية في تاريخ الشركة)، فكان النقص بحدود 585611 وكانت الخسارة المادية 7.554.982.000 فلو جمعنا هذه المبالغ التي خسرتها الشركة خلال ثلاث سنوات، فإنّ الجواب هو  10.259.282.000 فتخّيلوا هذا الرقم: أكثر من عشرة مليارات ليرة سورية! لاحظوا كم ستكون الفائدة للاقتصاد الوطني كبيرة من عودة المدير العام السابق (المهندس علي جوهرة) وهو الذي يملك ما يملك من صفات ومؤهلات جاءت على لسان وزير الصناعة! هل هذا يرضيكم يا سيادة الوزير ويا رئيس الحكومة؟! وهل بتعيينات كهذه يفوح منها ما يفوح من روائح ستنهض مؤسساتنا من بين الركام  بعد كل هذا الدمار والخراب؟!

طبعاً بقي أن نشير إلى موضوع يتعلق بالعمال وبجوهر الإنتاج، وهو أن المبلغ الذي كان مخصصاً للحوافز في عام 2013 هو بحدود 100 مليون ليرة سورية، جرى توزيع مليون فقط.. نعم، مليون ليرة فقط (وكما يعلم الجميع فإن الحوافر مرتبطة بزيادة الإنتاج)! فلو كان ما يقولونه عن الزيادة الكبيرة في الأرباح صحيحاً، فلماذا لم توزّع تلك الحوافز ومعها شهادات تقدير على من كان سبباً في تلك الأرباح، وأقصد هنا العمال؟!

أخيراً: إنّ تشتت الذهنية وفسادها وضياعها التي يعمل بها بعض من اؤتمنوا على سلامة البلاد والعباد تضعنا في المرحلة القادمة أمام خيار واحد لا بديل عنه، وهو ضرورة أن يكون الرجل المناسب في المكان المناسب، وضرورة إبعاد كل من تلطخت سمعته وجيوبه وقراراته بدم هذا الوطن الذي سنقف بعناد في وجه من يحاول إذلاله وسقوطه.

 

 في العدد القادم سنتحدث عن فضيحة عقد البوزلان.. فانتظرونا واعذرونا على التأخير..!

العدد 1140 - 22/01/2025