حقوق النشل محفوظة!

قبل زمن الإنترنت وما فرّخه من فيسبوك وتويتر ويوتيوب وو وو…..كانت معارك كبرى تثار حول السرقات الأدبية ينبري لها كبار الأدباء والنقاد، ليفضحوا من تسوّل له نفسه الأمّارة بالسوء، أن يقتبس فكرة أو نصاً أو عملاً أدبياً من غيره من السابقين أو المعاصرين على سبيل التلاصّ، ولم يسلم مبدعون كبار من محاكمات أدبية على خلفية تشابه نصوصهم مع نصوص غيرهم، واندلعت معارك حامية بين متهمين ومدافعين في كل حالة تشابه.

واستخدم مصطلح التناص، ليعبر عن حالة إبداعية، فالأفكار ـ حسب الجاحظ ـ مرمية على قارعة الطريق، وقد يقع الحافر على الحافر، وقد خصص فنان الكاريكاتير رائد خليل منذ سنوات على موقعه (سيريا كارتون) زاوية ثابتة بقيت لسنوات، عنوانها الحافر على الحافر، يصنف فيه حالات التشابه الحميدة والخبيثة بين رسامي الكاريكاتير المحليين والعالميين، ومنها بعض لوحاته هو نفسه وقعت في حالات تشابه مع لوحات لرسامين آخرين . .

ما يجعلنا نتذكر بحدّة حالة النشل الفني والأدبي هو ما يحصل على النت والفيسبوك تحديداً، من مهازل سرقة نصوص بحرفيتها ونشرها دون وازع أو رادع.

ومع تحوّل معظم رواد ورائدات الفيسبوك إلى قرض ما يقولون عنه شعراً (ما يكتب هناك لا يتعدى في الغالب تهويمات شخصية ورسائل إلى حبيبة أو حبيب، أو شعارات فجة) راجت عادة نسخ ولصق نصوص لكتاب كبار رحل بعضهم وبعضهم الآخر لا يعاقر الفيسبوك، وفي ظل حالة انحسار القراءة يصبح من الصعب على مرتادي صفحات التواصل كشف معظم حالات النشل الأدبي إلاّ بمحض الصدفة ولحالات قليلة جداً، بل إن كثيراً من الفيسبوكيين يتجرؤون على نشل نصوص لشعراء وكتاب لديهم صفحات ومواقع إلكترونية، وسرقتها في وضح الفيسبوك..

شاب سوداني أرسل طلب صداقة لشاعر سوري لديه صفحة على الفيسبوك ويتابعها بشكل دائم، وافق الشاعر على الإضافة، ثم فوجىء بعد فترة أن صفحة الشاب السوداني زاخرة بكتاباته منقولة حرفيا من صفحته دون أي إشارة إلى صاحب النص أو إلى أن النص منقول على الأقل، واللايكات والتعليقات تنهال على الشاب كزخّ المطر، من نوع (رااااائع، إبدااااااع، جمييييييل… إلخ)،  وهو يرد بتواضع جم عليها مكرراً عبارة (شكراً لمرورك الجميل)..

وحين أرسل الشاعر رسالة إلى صديق الغفلة، يرجوه فيه أن يعيد إليه البضاعة المسروقة ولو بالإشارة إلى أن التباساً ما منعه من تبيان صاحب الكتابات الجميلة التي درّت عليه آلاف اللايكات والتعليقات، وجمعت حوله الصبايا من كل حدب وصوب، سارع الشاعر السارق إلى حظر الشاعر الحقيقي حتى لا يرى صفحته نهائياً، وربما بلّغ عنه إدارة الفيسبوك بصفته شخصاً مزعجاً، ودعا إلى إغلاق حسابه..

وهذه قصة من قصص السّرقات الطريفة التي كشفها كاتب صحفي، في ملحق الثورة الثقافي لـ(شاعرة) سورية قامت بنسخ ولصق مجموعة قصصية للأطفال لتولستوي (ما غيرو)، وطبعتها على أنها من تأليفها مستغلة قدم الترجمة وضعف رواجها، بعد أن عرَّبت أسماء الشخصيات من يوري وناتاشا إلى فادي ورباب، وأبقت على علامات الترقيم والتنقيط وإشارات الاستفهام والتعجب أيضاً.

ثارت ثائرة الشاعرة وقامت بالردّ في الصحيفة نفسها متحدية الصحفي أن يقدم إثباتاً واحداً على فعل النشل، فما كان منه إلاَّ أن صوَّر عدة صفحات من قصص تولستوي المترجمة والصفحات المنشولة من قبل الشاعرة بما تسمح به صفحات الجريدة ونشرها، وهكذا لاذت المبدعة التي ما زالت تتلقى الدعوات إلى مهرجانات أدبية وثقافية داخل البلاد وخارجها وتنال الجوائز والتكريم، وما زالت مؤسسات الثقافة الرسمية تحتفي بها وبـ(إبداعها)، لاذت بالصمت، فيما بقيت في جلساتها تشتم الصحفي الضحية وتتهمه بشتى التُّهم.

قصة أخرى من الوسط الصحفي السوري، كاتب موهوب في صفحة ثقافية كان يكتب بغزارة لافتة، يعني بمعدل ستين مقالة بالتنكة، فسلَّط الله عليه كاتباً آخر يتقصَّى مصادر (إبداعه)، وبدأ الأخير بفضح زميله، وكشف مصادر سرقة بعض مقالاته حرفياً (بسكون الراء). وحين لاحظ الصحفي الناشل أن رائحة سرقاته فاحت، بفضل ملاحقة زميله ودأبه في كشف عمليات النشل التي يقوم بها من صحف عربية لا تصل إلى البلد، ومن مواقع محجوبة أو غير مقروءة أو (معجوقة) بالمواد، قام بكتابة اعتراف صريح ونشره على الملأ أقرَّ فيه بسرقة بعض المقالات التي نشرها وليس كلها، مؤكداً أن ضغط العمل هو السَّبب، داعياً زميله الذي يمضي كلّ هذا الوقت في نبش سرقاته إلى البحث عما يفيد الناس وتركه بحاله، مؤكداً أنه لن يعود إلى فعلته.

النشل ليس فقط من جيوب الناس و(جزادينهم) في زحام الأسواق ووسائل النقل، بل إن النشل الأبشع والأشنع هو ما يحصل لنصوص ولوحات من قبل من يدَّعون أنَّهم كُتّاب ومثقفون وطليعة أيضاً..

 

* لم نذكر أسماء الأبطال ليس حرصاً على سمعتهم أو سمعتهنَّ.. بل ليظن كل ناشل وناشلة أنه المقصود.

العدد 1140 - 22/01/2025