المؤسسات الاستهلاكية والتضخم الجامح
لعبت المؤسسات الاستهلاكية المدنية والعسكرية منذ عقود دوراً فعالاً في تقديم شتى السلع بأسعار معتدلة تتناسب مع دخل عامة الناس، خاصة المشتغلين بأجر، ووفرت منافسة لمتاجر ودكاكين وحوانيت القطاع الخاص على كثرتها. أصبح عددها كبيراً وتوزعها جيداً في جميع المدن والكثير من أحيائها وفي البلدات والكثير من القرى. بلغت قيمة مبيعات المؤسسة العامة للخزن والتسويق 5.88 مليارات ل. س عام ،2010 وقيمة مبيعات المؤسسة العامة الاستهلاكية 9,9 مليارات ل.س. ولديها 120 منفذاً في دمشق (المصدر: جريدة الثورة – العدد 5032) والمؤسسة الاجتماعية العسكرية 1.43مليار ل. س في العام نفسه. يلاحظ أن عدد السلع المعروضة في هذه المؤسسات يتراجع باستمرار وكمياتها أيضاً، خاصة السلع التي تنتجها شركات ومصانع القطاع العام وهي كثيرة، وكأن قراراً اتخذ بتخسيرها لمصلحة التجار! تفاقم الأمر مع بداية حرب الاستنزاف التي شنها حلف الأطلسي وأدواته من تدمير للمدارس والمشافي والخطوط الحديدية والمصانع والمواقع العسكرية لا يوفر شيئاً يتمكن من حرقه أو هدمه. واغتيال الكفاءات العلمية، كما فعل في العراق.
استشرى مرض الخصخصة تحت اسم الشراكة بين القطاع العام والخاص،الذي راح أيضاً يلتهم المؤسسات الاستهلاكية الفرع بعد الآخر، يسرّح العاملين فيها ويتولى إدارتها ويقطف ثمار استثمارها، دون أن يقوم باستثمار جديد يوظف فيه رأسماله،بل يدفع مبلغاً رمزياً ليصبح الشريك الأقوى وصاحب الحصة الأكبر من الربح فيها. يدفع (خوّة) لبعض رموز الفساد ليحصل على الصفقة!
في الوقت الذي تقتضي المصلحة العامة لجم جشع التجار وتحديد هوامش ربح معتدلة، دفعت الدولة من موارد القطر والضرائب التي دفعها المواطنون مبالغ كبيرة لبناء شبكة كبيرة من المؤسسات الاستهلاكية، ويأتي التجار ليستولوا عليها بكل بساطة وليمنعوا أي منافسة، ويفرضوا الأسعار الباهظة في كل المنافذ، التي ينوء من ثقلها المواطن. الخصخصة نهب للموارد الاقتصادية من قبل رموز الفساد والقطاع الخاص الطفيلي، ينبغي استعادة هذه الموارد وتقديم سماسرة الخصخصة للقضاء. سياسية الخصخصة وإضعاف دور الدولة التدخلي في الاقتصاد وتخفيض الضرائب على الأغنياء وتحميل الكادحين مزيداً من الأعباء الضريبية، هذه وصفة صندوق النقد الدولي القاتلة، التي تدمر الاقتصاد، أكثر من الدمار الذي يحيق به نتيجة القتل والتدمير الذي يسببه مرتزقة حلف الأطلسي، الممولون بأموال منهوبة من عائدات النفط العربي. ينبغي الاعتماد على التنمية المستقلة، لا على (خبراء) العدو الأمريكي الأوربي الصهيوني. (الأدمغة) العربية هي التي ينبغي تطبيق وصفتها الاقتصادية.
يقتضي الرشاد الاقتصادي والسياسي والاجتماعي الإكثار من المؤسسات الاستهلاكية في كل قرية وبلدة ومدينة وحي، بمعدل مؤسسة استهلاكية لكل 10آلاف نسمة، ليصل عددها إلى 2500مزودة بشتى أنواع السلع المعمرة وسلع الاستهلاك اليومي. ولا بد أن يتولى القطاع العام تجارة الجملة في أسواق الهال للمنتجات الزراعية والحيوانية .يتم تحديد الأسعار وهامش ربح معتدل لجميع السلع المتداولة. لقد طفح الكيل من جشع التجار ووقوف السلطات الاقتصادية المعنية موقف المتفرج! بل الداعم الذي أعطاهم (الغطاء القانوني) بأنه يحق للتاجر أن يضع السعر الذي يراه مناسباً، شريطة أن يعلن عنه! أي اقتصاد (سوء) هذا؟ هذا النموذج الرأسمالي للقرن التاسع عشر مع بدايات الرأسمالية المتوحشة في الغرب مع التوسع في الثورة الصناعية والاستعمار الأوربي للقارات الثلاث في إفريقيا وآسيا وأمريكا. وحيث كان يحصل العمال على أجور زهيدة لقاء 70 ساعة عمل في الأسبوع! عندما تعود الدولة ممسكة بقوة ووضوح ببوصلة التنمية الاقتصادية، فتبدأ بالمؤسسات الاستهلاكية تستطيع توفير 0.3 مليون فرصة عمل جديدة فيها. هذا هو منحى تطور تجارة التجزئة في العالم، ويبقى القليل من الحوانيت الصغيرة،لتلبية الطلبات الخاصة للمستهلكين الأثرياء. يتم إعادة تأهيل الأعداد الغفيرة من الباعة في الحوانيت الصغيرة وتوفير فرص عمل لهم في مجالات أخرى. وعندما تتولى الدولة تجارة الجملة في جميع أسواق الهال، تستطيع توفير سعر مجز للفلاح المنتج وسعر معتدل للمستهلك وربح مقبول للخزينة من أرباحها، وتمنع نهب التجار الذين يحصلون على أرباح خيالية لا يدفعون ضرائب دخل عليها! عندما تتولى الدولة التجارة الخارجية تفرض سعر صرف ثابتاً وتحدد هي أسعار السلع المستوردة،تستطيع الاقتصار على السلع الاستراتيجية وتمنع جميع السلع الكمالية، خاصة المركبات القادمة من بلدان العدو الغربي. هكذا تترشد سياسة التصدير والاستيراد.يتم تصدير الفائض عن الطلب بعد الاحتفاظ ب (المخزون الاستراتيجي). ينبغي القضاء على التضخم المستورد والمحلي، فنحافظ بذلك على القدرة الشرائية للشعب الصامد ونوفر موارد إضافية للخزينة.
وصل التضخم في قطرنا إلى نسب مرعبة، يعاني المواطن منه الأمرّين وتكتفي وسائل الإعلام بالحديث عنها. لقد أصبحنا على أبواب (التضخم الجامح)، الذي يصعب إيقافه، إذا لم تتم معالجته على الفور. لقد حدث هذا عام 1929 مع الكساد الكبير الذي حل بالدول الرأسمالية، ففقدت العملة قيمتها كلياً وعاد الناس للتعامل بالمقايضة، ووصلت أضراره إلى شتى دول العالم. التضخم داء وبيل، ينبغي مواجهته بحزم اعتماداً على عدة إجراءات لتحقيق التوازن بين العرض والطلب والقضاء على الاحتكار. يقاتل جيشنا الباسل ويقدم الشهداء كل يوم ويوقع الهزائم بعملاء الغرب الاستعماري، والشعب صامد. ينبغي أن نكسب الحرب الاقتصادية أيضاً.
الإدارة الاقتصادية متهمة بالتقصير وسوء الإدارة واتباع السياسات الاقتصادية التي فرضها العدو الغربي على قطرنا، لتدمير الاقتصاد وإفقار الجماهير وتكريس توزع دخل جائر للناتج المحلي الإجمالي لصالح الأثرياء. ينبغي مناقشة سياسة اقتصادية جديدة ترقى إلى مستوى الأحداث وتوفر ملايين فرص العمل الجديدة وموارد كافية لإعادة الإعمار عبر نظام ضريبي عادل وعصري، تشكل ضريبة الدخل على الأرباح عموده الفقري، وينبغي أن يتجاوز التصاعد الضريبي 70% من الأرباح.