التأثيرات الضارة للحروب على الأسرة

في حزيران من عام ،1941 نادى الرّئيس روزفلت في خطابه الشّهير عن (حالة الاتحاد) والّذي تطلع من خلاله إلى قيام عالم مبني على أربع حريات أساسية، حرية الكلام والتّعبير، وحرية العبادة لكلٍّ حسب طريقته، والتّحرر من العوز والخوف، وبعد كلٍّ منها وردت عبارة (في كُلِّ مكانٍ في العالم).

وفي عام ،1945 تأسست هيئة الأمم المتحدة، وفي مقدمة دستورها نصّت على مايلي: (نحن شعوب الأمم المتحدة، مصممون و نؤكّد من جديد إيماننا بحقوق الإنسان الأساسية، وبكرامة الإنسان وقيمته وبالحقوق المتساوية لجميع النّاس رجالاً ونساءً، ولجميع الشّعوب صغيرها وكبيرها). يتحدّث البند الأوّل عن التّعاون الدّولي لتعزيز وتشجيع حقوق الإنسان والحريات الأساسية للجميع دون تمييز بسبب العرق أو الجنس أو اللّغة أو الدّين.

ويمضي البند الخامس والخمسين إلى أبعد من ذلك فيقول: إنّ الأمم المتحدة سوف تعزز الاحترام والمراقبة العالميين لحقوق الإنسان، والحريات الأساسية للجميع دون تمييز بسبب العرق أو الجنس أو اللّغة أو الدّين.

وفي العام التّالي أنشأت الأمم المتحدة (لجنة حقوق الإنسان) برئاسة إليانور زوجة الرّئيس روزفلت؛ وفي المرحلة الّتي كان يجري فيها الإعداد لمشروع الإعلان عن اللّجنة، قال الدّكتور شارل مالك اللّبناني الّذي أصبح فيما بعد رئيساً للجنة: ( إنّ الحرب لم تدمر النّواحي الجسدية والاقتصادية والسّياسية فحسب، بل وفوق كلّ شيء الجوانب الأخلاقية والرّوحية والإنسانية، فالمجتمع بحاجة إلى استرداد وإعادة تأكيد تكامل الإنسان، لقد أردنا أن يحيا (أي الإنسان) حياته متمتعاً بكرامته الفطرية وحريته، ومع ذلك حيثما تلفتنا هنا وهناك شاهدنا فقط صوراً مشوّهة للإنسانية، أناساً جُرّدوا من ممتلكاتهم المادية ووقعوا تحت جور الأفكار الّتي فسّروا بها أنفسهم وفسّروا بها العالم، وشوهتهم قوانين حكوماتهم التّعسفية وكبلتهم عادات مجتمعاتهم وقناعاتها وانتقصت من منزلتهم الإنسانية… لذلك بدأنا نتساءل ما مقدار ما نستطيع أن نفعله لتحديد وحماية ما يخصّ جوهر الإنسان).

بعد ذلك جاء تبني الإعلان بشكل عالمي؛ ففي عام 1966 نُشِرَ ميثاقان دوليان، الأوّل يتعلّق بالحقوق الاقتصادية والاجتماعيّة والثّقافية، والثّاني يتعلّق بالحقوق المدنية والسّياسية. وفي عام 1967 وُضِعَ الميثاقان الدّوليان موضع التّنفيذ. هنا نُلاحظ الموقف الظّاهري والمتناقض: إعلان عالمي لحقوق الإنسان، وانتهاك عالمي ودولي لها. السّؤال الّذي نطرحه: ما هو موقف لجنة حقوق الإنسان من الأسر الّتي تفككت؟! من الأطفال الّذين تسربوا من المدارس وتشردوا في الشّوارع؟! حالة الخوف الّتي تحوّلت فيما بعد إلى اللامبالاة؟ إجبار المسلحين، الأطفال على القتل والنّهب والسّرقة! البطالة الّتي ارتفعت نسبتها في العامين الماضين.. إلخ.

1. جاد، أبٌ لثلاثة أطفال، يعملُ نادلاً في مطعمٍ فخمٍ جداً في العاصمة، عندما بدأت الأزمة، سُرِّحَ من عمله، دونَ أن يعطيه مديره أيّ تعويض للسنوات الخمس عشرة الّتي قضاها في خدمته. وهكذا بقي دون عمل ودون دخل، الأمر الّذي اضطره إلى إرسال ابنه البكر إلى الشّارع ليساعده في بيع علب المحارم للسيّارات والمارّة.

* من أهم الأضرار الّتي تلحقها الحروب بالمجتمعات هي البطالة الّتي تُشكل هجوماً خطراً على إنسانيتنا.

كتبَ وليم تمبل مشيراً إلى العاطلين عن العمل: (إنّ الضّرر الأعظم والأشد مرارة في حالتهم ليس الضّيم الجسدي الّذي لحق بهم بسبب الجوع أو عدم الرّاحة، ولا حتّى الضّيم العقلي النّاتج عن الفراغ والضّجر، إنّه الضّيم الرّوحي النّاتج عن حرمانهم من فرصة المساهمة في الحياة العامة وخير المجتمع.) إنّها خبرة مروّعة عندما يسمع المرء من يقول له: (إنّك زائد عن الحاجة). والأسوأ من ذلك أن يظن المرء نفسه كذلك، والكثير من النّاس يعيشون في خوف من أن يحدث لهم ذلك.

لذلك نقدم لكم مقترحاً لا يدور حول زيادة الطّلب على العمل بقدر ما يدور حول إنقاص عدد العاطلين، والمبدأ هو في إعادة توزيع مقدار العمل نفسه على مزيد من النّاس، ومنه تجزئة الوظيفة أو ازدواجية الوظيفة، بحسب هذا التّرتيب يشترك شخصان في وظيفة واحدة، بالطبع سيحصلان على راتب أقل، ولكنهما لم يخسرا دخلهما.

2. ريم، طفلة عمرها 9 سنوات، هي الآن تتعالج في المشفى، لأنّ إحدى كليتيها أصيبت بسبب البرد، إذ لا يوجد لدى أهلها غاز ولا كهرباء ولا مازوت.

من الآثار العظيمة الّتي تولدها الحروب هو تضخم (الأنا) وإلغاء الآخر. لو أنّ كلّ فرد من أفراد المجتمع حصل على حاجته فقط من الضّروريات الأساسية للحياة اليومية، لتوزعت المواد الموجودة على جميع أفراد المجتمع، ولكنّ هناك من يقوم بتعبئة آلاف الليترات من المازوت أو البنزين في خزانة، دون أن يفكر بغيره، كما نجد التّاجر الّذي يُكدس البضاعة لديه لكي يبيعها بعد ذلك بأغلى الأسعار، هدفه فقط الرّبح المادي.

من المثالين السّابقين، نجد أنّ المتضرر الأساسي في الحرب هي الأسرة، ما العمل إذاً؟ وأين الحلّ؟

يكمن الحلّ في التّعاون والمشاركة للتخفيف من حدّة الأزمة، وأن نخرج جميعاً من بوتقة (الأنا) الّتي حصرنا أنفسنا بداخلها، وأن نفكّر بأنّ المحافظة على كيان الوطن هي مسؤولية كلّ شخص بالمجتمع مهما كانت مكانته ووظيفته، وألاَّ نكون مثل (ريما) وهي أمّ لولدين، أمضت أسبوعاً كاملاً وهي تبحث عن أغلى ثوب لزيارة صديقتها، وذلك لتتباهى به، فاشترت ثوباً دفعت ثمنه 000 50 ليرة سورية. لو ساهمت ريما بهذا المبلغ لتدفئة عدد من الأسر أو لحماية بعض الأطفال من التّشرد في الشّوارع، أو لدعم إحدى العائلات حفاظاً عليها من التّفكك، ألم يكن أفضل من أن تتباهى أمام مجموعة من النّساء؟

فدعونا أيّها السّوريون نقف صفّاً واحداً ونمسك بأيدي بعضنا بعضاً لنبني مجتمعنا، فوطننا هو مسؤوليتنا ومن واجبنا خدمته، بما يتوافق مع سيادة الوطن… فيداً بيد لبناء سوريّة!

العدد 1140 - 22/01/2025