أسواقنا باتت غير مفهومة.. خبير يكشف أسباب ارتفاع الأسعار دون انخفاضها في الأسواق
الأسعار أصبحت أحجية، وفق قول وزير الاقتصاد همام الجزائري، وحقاً أصبحت أحجية لدى ذوي الدخل المحدود، فحالياً اجتمعت مسببات ارتفاع الأسعار معاً على المستهلك.. دولار ومازوت وفيول وبنزين.. وكل ذلك على (جيبة) ذوي الدخل المحدود.. فرغم الوعود التي أطلقت مؤخراً بأن الدخول لن تبقى على حالها وأنها ستتحرك، إلا أن المستهلك لا يزال يخشى أن تبقى هذه الوعود وعوداً.. وفي حال نفذت أن تشمل الموظفين في الحكومة فقط دون باقي الشرائح الأخرى، وخاصة العاطلة عن العمل والعاملين في القطاع الخاص.
حالياً بات المستهلك لا يفهم طبيعة الأسعار ولا آلية عمل السوق، ولكنه يؤكد حقيقة واحدة هي أن دخله لم يعد يكفي إلا بضعة أيام فقط.
التضخم..
الخبير الاقتصادي الدكتور نضال طالب أوضح في تصريحه لـ(النور)، أنه لكي تنخفض الأسعار في الأسواق ولكي تستطيع الحكومة منع السيناريو من التكرار بسبب تحرك سعر الصرف، فلا بد من زيادة الدور التدخلي والرقابي للحكومة في الأسواق، لأن تحرك سعر الدولار صعوداً يعني بالمقابل انخفاضاً في القيمة الشرائية لليرة السورية، وبالتالي ارتفاع في معدل التضخم، وذلك يعود لثلاثة أسباب رئيسية: الأول هو ارتفاع غير حقيقي ناتج عن مضاربات تجار العملة وجشعهم، وهنا بالرغم من قيام الحكومة بمجموعة إجراءات لملاحقة هؤلاء المضاربين وإغلاق مكاتبهم، إلا أن ظروف الأزمة تجعل أعدادهم ونشاطاتهم في ازدياد، مما يتطلب جهوداً مضاعفة إضافية للمحاسبة والعقاب، وتعديل التشريعات المعمول بها لتكون أكثر صرامة.
وأضاف: (كلنا يذكر حين استصدار تشريع جديد صارم بحق المتورطين بعمليات الخطف، كان الملاحظ انخفاض حالات الخطف بشكل واضح).
أما السبب الثاني للتضخم، وفق د. طالب، فهو سبب حقيقي ناتج عن انخفاض الكميات المعروضة من السلع والخدمات مع بقاء الطلب كما هو أو ازدياده، مما يخلق فجوة ويزيد الطلب، وبالتالي ترتفع أسعار المواد، الأمر الذي يتطلب زيادة الدور التدخلي للحكومة في الأسواق وعدم الاكتفاء بالمراقبة، بل استخدام أذرعها الموجودة من مؤسسات تجارة داخلية وخارجية (الاستهلاكية – الخزن والتسويق – التجارة الخارجية وغيرها)، والعمل على سد فجوة الطلب المتزايد من خلال طرح سلع وخدمات في الأسواق، بهدف تحقيق التوازن والحد من المنافسة بأسعار اقتصادية مدروسة.
ويشمل السبب الثالث، ارتفاع تكاليف الإنتاج الناجم عن ارتفاع تكاليف المواد الأولية المحلية والمستوردة، نتيجة العقوبات الدولية المفروضة على الاقتصاد السوري، ونتيجة طبيعية للأزمة التي تمر بها البلاد وارتفاع أسعار النقل والطاقة والوقود، وهنا يمكن أن يكون دور الحكومة محدوداً لارتباط الحل بظروف الأزمة.
وعن كون الأسعار تتحرك صعوداً لدى تحرك سعر الصرف دون أن تنخفض لدى انخفاضه، قال طالب: (يحدث ذلك نتيجة غياب دور الحكومة الرقابي شبه الكامل على الأسعار والأسواق، وترك القرار بيد كبار التجار، وكذلك غياب آلية التسعير وغياب المتابعة لهذه الآلية الواضحة من الوزارة المعنية وهي وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك).
غياب سياسة واضحة لأسواقنا..
ولفت د. طالب إلى أن ذلك يشير إلى عدم وضوح، بل غياب، للسياسة المعمول بها في مجال التجارة الداخلية والأسواق، فهل هي تحرير أسعار مستند لظروف العرض والطلب، أم هي سياسة تسعير يومية يتم متابعتها بجدية للسلع الخدمات؟.. لذا نجد في الأسواق تفاوتاً واضحاً في أسعار مبيع المحال التجارية حتى المتجاورة منها، والأمر يعود لوجود تجار حقيقيين يعتمدون هامش ربح معين في تجارتهم يظهر جلياً في عروض أسعارهم حين انخفاض سعر الدولار، وبالمقابل تجار يعتاشون ويمتهنون الاحتكار والربح السريع.
وأكد أن التركيز على الجولات الميدانية في الأسواق وتنظيم الضبوط ومراقبة مراقبي التموين ليست خطوات كفيلة بضبط الأسواق ومنع الغش والتدليس والاحتكار، وإلا لكنا في حال أحسن حالياً نتيجة للسياسات والآليات التي أنجزت سابقاً، إلا أنه لا بد من الإشارة إلى دور معقول قامت وتقوم به مؤسسة الخزن والتسويق، أسهمت من خلاله بتخفيف حدة لهيب الأسعار فقط، بينما تفاوت الأسعار وازدياد الطلب على حساب العرض ما زال قائماً، والمطلوب هو طرح كميات إضافية من السلع والخدمات عن طريق مؤسسات الدولة التدخلية ولأهداف اجتماعية وليست اقتصادية تسهم في زيادة الكميات المعروضة وبالتالي خفض معدلات التضخم.
وعن دور هيئة المنافسة ومنع الاحتكار في أسواقنا المحلية، أشار الخبير الاقتصادي إلى أن معظم الهيئات التي أحدثت مؤخراً لم يكن دورها بالمستوى المقبول عملياً على أرض الواقع، واكتفت أغلبها بالدراسات النظرية، (ولكن السبب ربما يعود إلى التشريع الناظم لهذه الهيئات وخلوه من التكليف الواضح بالقيام بدور عملي وفاعل على أرض الواقع، وكذلك عدم تزويد هذه الهيئات بالكوادر الكافية).
وبالنسبة لقانون التموين والجودة الجديد الذي تسعى الحكومة إلى إصداره، لفت طالب إلى أن التشريعات في جميع الصعد بحاجة دائمة للتعديل وفق متطلبات كل مرحلة، إلا أن تعديل التشريعات غير كاف إن لم يقترن بسياسة مدروسة وتعليمات وإجراءات واضحة وعادلة لهذه التشريعات تتم متابعتها دورياً، وكذلك يتم تقييمها دورياً لتصويب ما يلزم منها.
غياب رؤية استراتيجية للاقتصاد..
وعن توجه الحكومة لتقييد الأسعار والأسباب التي دعتها إلى مراجعة حساباتها في ذلك.. وهل جاءت هذه المراجعة متأخرة؟ قال د.طالب: الموضوع برأيي مرتبط بغياب الرؤية والاستراتيجية لهوية الاقتصاد السوري ومستقبله ككل، إذ يلاحظ عدم وضوح هوية الاقتصاد السوري التي تنبثق عنها جميع السياسات المالية والاقتصادية المعتمدة في جميع القطاعات، وكذلك عدم وضوح طابعه المستقبلي، الأمر الذي يدعو الجهات الحكومية المختصة وذات العلاقة بالأسواق إلى تسوية كل حالة تصادفها على حدة، وإلى معالجات تخديرية أو (ترقيعية) إن صح التعبير، ولا تقوم بعلاج جذري للمشاكل التي تواجهها، وهي معذورة هنا، لأنها لا تمتلك ولا تستند إلى قاعدة واضحة وثابتة في ماهية الاقتصاد الوطني ومحدداته وتوجهاته.
أخيراً ما نود الإشارة إليه أن الحديث عن الأسواق المحلية له شجون ويطول.. فأسواقنا أصبحت من الصعب فهمها، وخاصة مع تداخل عدة أسباب جعلت من أسواقنا غير مفهومة في أدائها.. فهل هي حقاً تخضع للعرض والطلب أم أنها تخضع للاحتكار والمزاجية، أم للدولار والمازوت والفيول، أم أنها تتعلق بالاستيراد والتصدير.. أم بالطرقات والنقل؟
ما نؤكده أخيراً أن معدل الأسعار أصبح في أوجه، وبقيت الدخول في أدنى معدلاتها.. ففي كل يوم هناك ارتفاع جديد لأسعار السلع دون ضابط أو قاعدة اقتصادية واقعية.. فلكل بائع حججه، وتختلف الحجج، ولكن الضحية واحدة ألا وهي (جيب) المستهلك!