ورش صناعية صغيرة تتعطل ومطاعم شعبية تغلق.. فهل من تحرك حكومي؟.. أزمتا الغاز والمازوت تجتمعان على المواطن

بدأت الآثار السلبية للقرارات الأخيرة التي شملت رفع أسعار المشتقات النفطية من مازوت وبنزين وفيول تظهر، فها هي ذي الأسعار ترتفع يومياً بوتيرة متفاوتة دون ضابط أو قاعدة معينة، ولكن الأثر الأكبر لهذه القرارات كان على القطاعات الصناعية بشتى أنشطتها.

فقد علمنا أن هناك العديد من الورش توقفت عن العمل نتيجة عدم  توفر مادة المازوت بالدرجة الأولى، ونتيجة ارتفاع أسعارها ارتفاعاً جنونياً بالدرجة الثانية، فليتر المازوت يباع في ريف دمشق حالياً بـ200 ليرة ووصل إلى 225 ليرة، ورغم ارتفاع سعره فإن المادة قليلة ونادرة.

ورشة صناعية صغيرة تنفق 6 آلاف ليرة يومياً على مازوت المولدات

أدهم (أحد العاملين في ورشة خياطة ألبسة بريف دمشق) أوضح لـ(النور)، أن المعمل يحتاج يومياً إلى استعمال المولدة الكهربائية التي تعمل على المازوت، لمدة ست ساعات على الأقل، لافتاً إلى أن صاحب الورشة يقوم بشراء المازوت عن طريق أحد أصحاب (التركسات) بسعر يصل إلى 200 ليرة لليتر.

ولفت إلى أن انقطاع التيار الكهربائي لساعات طويلة كبّد العديد من الورش الصناعية خسائر فادحة لا يمكن إحصاؤها، مؤكداً أن المولدة الكهربائية التي تعمل لديهم تحتاج في كل ساعة إلى 5 ليترات من المازوت، أي أن تكلفة توليد الطاقة الكهربائية في الساعة تصل إلى ألف ليرة، أي هناك تكاليف إضافية تصل إلى 6 آلاف ليرة يومياً تضاف إلى تكاليف إنتاج السلعة أو قطعة اللباس.. فما بالك بالتكلفة الشهرية لهذا الأمر؟ مشيراً إلى أن ذلك أدى إلى ضعف تصريف البضائع في السوق نتيجة ارتفاع أسعارها مقارنة مع غيرها من السلع المستوردة، لافتاً إلى أن المصنع سيضع تكاليف المازوت على التكلفة النهائية للسلعة، وسيعمل على تقليل هامش ربحه قدر الإمكان، لكي يستطيع بيع سلعته في السوق.

وسأل: (هل رفع أسعار المازوت والفيول والبنزين هو دعم للصناعة الوطنية؟ وهل هذا هو عقلنة الدعم الذي أشير إليه في العديد من الندوات التلفزيونية؟ وهل يعقل أن تكون الألبسة المستوردة من مشارق الأرض ومغاربها أرخص من المنتجة محلياً، رغم تكاليف استيرادها وبُعدها عن سوق التصريف واعتمادها على سعر الصرف وتذبذاته؟ لافتاً إلى أن الألبسة المستوردة وحتى معظم المواد المستوردة حتى الغذائية منها أصبحت أرخص بكثير من المصنعة محلياً، متسائلاً: (كيف للصناعة المحلية أن تنافس في الأسواق الخارجية في حال تصديرها، وهي أغلى بكثير من تلك السلع المنافسة الأخرى في الأسواق الخارجية ولا تمتلك القيمة المضافة نفسها؟).

وأشار إلى أن حل مشكلة الكهرباء وعودتها إلى سابق عهدها قد تنعش القطاع الصناعي، مشيراً إلى أن رفع أسعار المازوت وجعله بسعرين كان كارثة على القطاع الصناعي بمختلف أنشطته. فهو للأسف لا يباع إلا بسعر 200 ليرة، سواء للتدفئة أو للصناعيين أو الورش الصغيرة والمتوسطة، مؤكداً أن ذلك أدى إلى توسع السوق السوداء لهذه المواد وتحكّم تجار الأزمات بهذه المواد وبيعها للمواطنين.

العديد من أصحاب الورش الصناعية والحرفية في ريف دمشق طالبوا الحكومة بتوفير مخصصات من مادة المازوت ولو بالسعر الصناعي.

أزمة الغاز أغلقت العديد من المطاعم الشعبية والمحلات في ريف دمشق

أما عن مادة الغاز ومدى تأثيرها على مختلف القطاعات الأخرى، فقد وصل سعر أسطوانة الغاز حالياً في السوق السوداء إلى 3500 ليرة، مع احتمال التلاعب في وزن الأسطوانة.

وبالطبع اعتاد المواطن في كل شتاء على الاصطفاف في طوابير الانتظار على المشتقات النفطية سواء الغاز أو المازوت، فلم يعد هناك جديد بالنسبة للمواطن من حيث أزمات المحروقات، بل اعتاد وفهم طرق وآلية العمل لدى حدوث أي أزمة في المشتقات النفطية، فهو أمام خيارين إما الانتظار في الطوابير أمام مراكز الغاز والسيارات الجوالة، وهنا للحظ دور كبير، فإما أن يحصل على أسطوانة، وهذه نسبة ضيئلة جداً نتيجة الازدحام والمشاجرات اليومية التي تحدث أمام المراكز وسيارات التوزيع، أما الخيار الثاني أمامه فهو التوجه إلى السوق السوداء ليدفع ثمن راحته وليأخذ أسطوانة الغاز بسعر يبدأ بـ3000 ليرة، ولكنها غير مضمونة من حيث الوزن أو يجري التلاعب بها. ففي الأعوام السابقة ضُبطت العديد من حالات التلاعب بأسطوانات الغاز، من حيث تعبئتها بالماء أو التلاعب بوزنها وخاصة أن كل الأسطوانات حالياً لا يوجد عليها أي لصاقة تعبئة من شركة المحروقات، أي أن التلاعب قد يكون موجوداً في الوزن دون أي ضابط لذلك.

وبالطبع أزمة الغاز هذه أدت إلى تضرر العديد من المطاعم وبعض أنواع المحلات مثل الحلويات التي تعتمد اعتماداً أساسياً على مادة الغاز في عمليات الطهي، وقد أغلق بعض هذه المحلات وبعض المطاعم الشعبية في ريف دمشق، حتى أن بعض الأفران أغلقت أبوابها نتيجة عدم توفر المازوت، واضطر البعض إلى شراء أسطوانة الغاز بأسعار خيالية تصل إلى 5 آلاف ليرة لكي لا يغلق محله أو مطعمه الشعبي، وأضاف هذه التكلفة على سعر المأكولات التي يقدمها مما رفع أسعار العديد من أنواع السندويش.

محسوبية المجالس المحلية في توزيع المشتقات النفطية

المتابع لواقع أزمات المحروقات يرى أنها تتكرر في كل شتاء وربما أيضاً في الصيف، إلا أن الحلول تكون دائماً غائبة وفي حال وجدت فهي إسعافية وآنية فقط، مما دفع بتجار السوق السوداء إلى التحكم بهذه المواد الأساسية للمواطنين، في ظل انتشار المحسوبية في توزيع المحروقات وخاصة بالنسبة للمجالس المحلية في ريف دمشق، حيث تبدأ عمليات توزيع المازوت والغاز من أقارب المجلس المحلي وهكذا.. أما المواطن الذي ليس لديه (واسطة) فعليه أن ينتظر دوره الذي ربما لن يصل إليه أبداً في ظل انتشار هذه المحسوبيات، وكل ذلك في ظل ضعف الرقابة والمحاسبة على المجالس المحلية ولجان المحروقات.

وزارة النفط قالت سابقاً إنها لا تدرس رفع سعر أسطوانة الغاز، ولكن ربما هذا التصريح يعتبر إشارة إلى احتمال رفع سعرها، فقد اعتاد المواطن أنه لدى سماع نفي حكومي حول رفع سعر مادة ما فإن هذه المادة سترتفع ولو بعد حين، وهنا يخشى المواطن أن يلحق رفع الأسعار بأسطوانة الغاز، وربما يقول قائل بأن المواطن حالياً يدفع سعر ليتر الماوزت 200 ليرة، ويدفع سعر أسطوانة الغاز 2500 ليرة، أي أن المواطن بمقدوره أن يدفع هذه المبالغ ولا يتأثر في دخله، ونحن نقول بأن المواطن لدى دفعه هذه المبالغ فهو يدفعها لأنه مضطر ولمرحلة مؤقتة لحين انفراج أزمة الغاز أو المازوت، أما أن يدفعها بشكل دائم فهذا أمر لن يستطيع الاستمرار فيه، والدليل على ذلك قلة الطلب على مادة المازوت الخاصة بالتدفئة خلال العام الماضي وهذا العام، ذلك أنه يوجد الكثير من الأسر رفضت تعبئة المادة رغم حصولها على دور من شركة المحروقات، وذلك لعدم قدرتها على دفع سعرها لارتفاعها وكان ذلك في العام الماضي، أي عندما كان سعر ليتر المازوت 60 ليرة، فكيف الآن؟

دفع العجلة الصناعية والزراعية ضرورة

ما نود الإشارة إليه أنه حريّ بالحكومة أن تعمل على دفع العجلة الإنتاجية المحلية إلى الأمام وليس العكس، فرفع أسعار المشتقات النفطية على المنشآت الصناعية من شأنه أن يرفع تكاليف الإنتاج ويضعف تنافسية المنتج المحلي، ويرفع الأسعار على المستهلك المحلي أيضاً، كما أن ندرة المادة زادت من الطين بلة وأدت كما ذكرنا إلى توقف المنشآت والورش عن العمل، وهذا من شِأنه أن يرفع نسب التعطل بين الأيدي العاملة، ونحن بأمس الحاجة إلى زيادة معدلات العمل لا رفع معدلات البطالة، عدا  ارتفاع تكاليف التدفئة هذا الشتاء على ذوي الدخل المحدود.

وبالطبع الحكومة تتحمل صعوبات ونفقاات هائلة جداً لتأمين المشتقات النفطية في ظل الأزمة الحالية وفي ظل العقوبات الاقتصادية الجائرة، إلا أنه يجب الإشارة إلى أن تجار السوق السوداء وبعض ضعاف النفوس من القطاع الخاص يتحكمون بحاجات المواطنين لهذه المشتقات النفطية ويقومون بفرض السعر عليهم وفق مزاجهم، وهذا يدل على ضعف الرقابة والمحاسبة، سواء على المحطات أو مراكز التوزيع، وغياب التنظيم في عمليات التوزيع، لذا نأمل أن تضرب الحكومة بيد من حديد على كل متاجر بحاجات المواطن، وأن تخفّص أسعار المشتقات النفطية للمنشآت الصناعية والزراعية كحد أدنى، لأن هذين القطاعين هما من يدفعان الاقتصاد الوطني إلى النهوض وهما المشغلان الأكبر للأيدي العاملة، وأن تجعل سعراً واحداً للمازوت لا سعرين.

العدد 1140 - 22/01/2025