رسالة مفتوحة من كاهن عربي سوري إلى جميع الفرنسيين

أيها الفرنسيون!

اسمحوا لي، أيّاً كنتم، وأنّى كنتم، أمام صدمة اغتيال مواطنيكم الاثني عشر في صحيفة (شارلي-إيبدو)، أن أقدم التعازي لكم جميعاً، وعلى نحو خاص لذويهم وأقربائهم وأصدقائهم.

هذا الصباح، الثامن من كانون الثاني، لم يسعني طوال القداس الإلهي، إلا أن أفكر بهؤلاء الضحايا البائسين، بذويهم، بكم جميعاً، وبصورة خاصة، بالعديد من أصدقائي ومعارفي، الذين اكتسبتهم خلال إقاماتي ورحلاتي الكثيرة في فرنسا، منذ عام 1955 وعلى نحو خاص، خلال الرحلات التي دعت إليها كنيسة فرنسا ونظّمتها، من أجل نشر رسالة سيدة الصوفانية، بدمشق، التي هي رسالة محبة ووحدة وسلام.

أحاول أن أتابع ردود الأفعال التي حدثت في مختلف الأوساط. وإني لأتفهم كل ذلك تفهماً تامّاً. ولكني أيضاً، أصلي، من كل القلب، وأدعو مؤمني دمشق وسورية والمؤمنين منكم للصلاة، كي يتوفر لمسؤوليكم السياسيين أخيراً، حدٌّ من الذكاء والاستقامة، يمكّنهم من الامتناع نهائياً عن مغامراتهم الحربية والإجرامية في سورية، كي يجنّبوكم التداعيات الرهيبة المتوقعة، ولكن على نطاق واسع، لما حدث في مركز صحيفة (شارلي- إيبدو).

أيها الفرنسيون!

يعرف عدد منكم أنه حدث لي أن كتبت رسائل عديدة، شخصية ومفتوحة على السواء، للعديد من المسؤولين السياسيين والكنسيين في الغرب، عبثاً- مع أن رسائلي لم تكن مهادِنة البتة- ولكم كنت حذّرتهم فيها، منذ سنوات طويلة، من أن العنف الذي فجّروه في العالم العربي، وفي  سورية منذ أربع سنوات تقريباً – إذ أرسلوا لنا مئات الألوف من المقاتلين (الجهاديين)، من 83 دولة، ومنها دول أوربية! – سوف ينصبّ على رؤوسهم لا محالة، بصورة أو بأخرى.

وإني لأخشى أن تكون (شارلي- إيبدو) البداية. فتذكروا مَثَلكم الشعبي الشهير: (من زرع الريح، يحصد العاصفة). عسى ألا تكون هذه العاصفة إعصاراً.

 

أيها الفرنسيون!

أعرف أن أحداً منكم غير مسؤول مباشرة عمّا يحدث، وأنكم كلكم تكدّون كدّاً مضنياً كي تتدبروا أموركم. وفضلاً عن ذلك، فأنتم غارقون في وسائل إعلام بلغت حداً غير مسبوق في النفاق والكذب، وقد انتهت بكم الحال إلى تسليم أموركم كلها لمسؤوليكم، الذين يقودون فرنسا، عاجلاً أو آجلاً، في غفلة منكم، إلى هاوية سحيقة!

فدعوني أقوم بمهمة إعلامكم بإيجاز كبير، أن نصف سكان سورية، الذين كانوا يبلغون 24 مليون إنسان، هم الآن على الطرقات، إما داخل سورية، وإما خارجها في الأرض الواسعة، أو في البحار! والحال أن الحرارة اليوم في دمشق، هي درجتان تحت الصفر، وفي  معلولا ثماني درجات تحت الصفر.

تصوروا إذاً لحظة واحدة، لو كان 30 مليون إنسان، الذين يشكلون نصف سكان فرنسا، مشردين على طرقات فرنسا والعالم! أما القتلى في سورية، فقد بلغوا، وفق الأمم المتحدة، (300.000) قتيل!

يا له من (إنجاز جميل ومشرف)، يجب أن يُنقَش على اللوحات الذهبية الخاصة برئيسَيكم ساركوزي وهولاند!

 

أيها الفرنسيون!

كل هذا هل يعني لكم شيئاً؟

كل هذا هل يدعوكم للقيام بأي عمل؟

كل هذا هل يستثيركم لتسائلوا أساقفتكم الذين تخلّوا عن كل مسؤولية، والذين باتوا منذ عقود، أشبه بمومياءات؟

ويسوع المسيح في كل هذا الخضم، هل بات يعني لكم شيئاً ما؟

أيها الفرنسيون!

أنّى كنتم وأياً كنتم، أكرر لكم بكل صدق تعاطفي ورجائي!

دمشق في 10 كانون الثاني 2015

العدد 1140 - 22/01/2025