مُتْ وإلاَّ!
يظل الفقير (المبعد قسراً من دائرة الإنسانية حالماً بغدٍ أفضل، ووظيفة تقيه ذل السؤال) (بفم قد تقرح) بحثاً عن رغيف أصبح ضالة منشودة، متشبثاً بحبائل هواء متدلية من السماء، مقربة إياه من الموت البطيء، فإن شاءت الأقدار إدخاله في عداد الموظفين، فلا مفر من بيع الضمبر، لسد ثغرات ما كانت لتملأ من راتب ضئيل. أو يظل يبحث حثيثاً عن عمل إضافي، في القطاع (الماص)، ويرضخ لاستغلال مهين.
ويبقى الزمن سائراً بخطاه المتثاقلة، لحين تقاعده، وحلول خريف مستديم على جسم عليل، مستنفذاً نصف راتبه على أدوية ليس عنها بديل. فيكافئ بخسران ربع راتبه، وجميع التعويضات، ودفتر الصحة (إن وجد).
يقول قائل: إن البلد في أزمة وعليهم الصبر والاحتمال. نقول له إن أزمة المتقاعدين أزمة قديمة، فلطالما أدمتهم سياط الجوع، لتأتي الآن محكمة الزمان مصدرة حكمها الجائر بحرمانهم من أدنى حقوقهم في الحياة. يقول آخر: قد تغيرت الظروف، فإضافة إلى راتب التقاعد، هناك صندوق للممات، يأخذ نصفه عند تقاعده، وتعويض نهاية الخدمة! هذا كلام جميل وواقعي، ينطبق على المتقاعدين الجدد، علماً أنه غير كاف إن لم يكن الزوجان موظفين.
لكن ماذا عن المتقاعدين القدامى، الذين لا يكفي راتب كل منهم ثمناً لبرميل مازوت (بعد الزيادة طبعاً)، لا يكفي للتدفئة إلا لشهر واحد، وباقي الشهر ماذا هم فاعلون!؟ هذا في فصل الشتاء الذي يمتد شهوراً ستة، ولكل فصل احتياجاته، ففصل الصيف شهر المونة…. وهكذا دواليك، يبقى (المت قاعداً) في دوامة ليس أولها القلق ولا آخرها الانتظار.
نتيجة لما تقدم، وهو بعض من بعض ما تعانيه هذه الشريحة، نتساءل: هل هناك استحالة في حل معضلة لفئة قليلة من المتقاعدين القدامى الذين لم تزد رواتبهم عن الحد الأدنى إلا قليلاً؟!
أليس لهم حق العيش في سكينة، بعد عراك مرير في الحياة دام طويلاً!؟
ألا يحق لهم أن يتنعموا بخيرات ومقدرات بلدهم؟!
أما من حق لهم بالعيش بالحد الأدنى من الكرامة في آخر حياتهم؟!
أم يبقون في انتظار (حسنات)، قد تأتي وقد لا تأتي، وفي حال مجيئها لا تسمن ولا تغني من جوع؟!
ويبقى انتظارهم الموت هو الحل الأمثل والوحيد لإنهاء جميع مشاكلهم، (فيرتاحون ويريحون)!
ولكن من الطبيعي عندئذ أن يصبح المتقاعد الجديد/ قديماً، وتشاء الظروف أن تصبح ظروفه مماثلة لسابقه، لتغير الأحوال، فبقاء الحال من المحال، حينئذ ننتظر الحل الأمثل من جديد، ونبقى ندور في حلقة مفرغة. فهل من منجد قادم من كوكب آخر يعين كي لا نموت قاعدين لأننا كنا (مت.. قاعدين؟!).