مع بدء الحملة الانتخابية دراسة تحليلية حول الانتخابات الرئاسية الأمريكية

هذه الدراسة التحليلية لا تهدف إلى إلقاء الضوء على الأشخاص الأكثر حظوظاً من الحزبين الجمهورية والديمقراطي في الوصول إلى سدة الرئاسة الأمريكية، بل تهدف إلى تسليط الضوء على الحزب المرشح وصول مرشحه إلى البيت الأبيض في الانتخابات القادمة عام 2016 التي بدأت حملتها هذه الأيام.

الطريقة الواضحة والسهلة لمعرفة مَن من الحزبين سيصل إلى سدة الرئاسة، تكمن في معرفة أين يقف الاقتصاد  الأمريكي في هذه الأوقات، إذ إن الوضع الاقتصادي كان دائماً ولايزال هو المفتاح لمعرفة توجهات الشعب الأمريكي من مواصفات الرئيس المُنتخب. في هذا المجال هناك معادلة لتحديد أي من الحزبين الجمهوري أو الديمقراطي سيصل إلى قمة السلطة تقول: (كلما حدث تضخم كبير في الاقتصاد، أمست الحاجة ملحة لوصول  الجمهوريين إلى سدة الرئاسة، وكلما تضاعف الكساد الاقتصادي وتسبب بمعاناة الأمريكيين، غدت الأجواء مهيأة للديمقراطيين للوصول إلى البيت الأبيض). هذا مع العلم بأن حالة  الانتقال من الكساد إلى التضخم، أو من التضخم إلى الكساد لا يمكن تحديدها بفترة زمنية، فأحياناً تستغرق دورة رئاسية واحدة، وأحياناً تستغرق دورتين أو ثلاثاً حسب ظروف عدة قد تتعدى حدود التفاعلات الاقتصادية الداخلية إلى ما هو أعم من ذلك بكثير.

والآن سنأتي بأمثلة من التاريخ الأمريكي خلال السنوات الخمسين الأخيرة منها:

الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون، تسلم الرئاسة عام 1969 بعد انتهاء فترة الرئيس الديمقراطي ليندون جونسون، وفشل الديمقراطيون في اكتساب ثقة الناخبين لدورة رئاسية جديدة، واستمرت حقبة الجمهوريين دورتين رئاسيتين، سقط خلالها نيكسون بسبب فضيحة (ووترغيث) عام 1974 وتسلم الرئاسة بعده الجمهوري جيرالد فورد، الذي يعتبر من الرؤساء الأمريكيين القلائل الذين وصلوا إلى سدة الحكم من دون انتخاب. وقد أدت حرب فيتنام إلى خسائر اقتصادية كبيرة للأمريكيين، مترافقة مع سقوط أكثر من خمسين ألف قتيل، عدا مئات الآلاف من الجرحى وخسائر في الأسلحة والمعدات، ووصل الكساد إلى مستويات عالية في  السنوات الأخيرة للرئيس فورد. ولا شك بأن الوضع  الاقتصادي المتردي آنذاك كان آنذاك من أسباب انتخاب الرئيس كارتر، الديمقراطي، لسدة الرئاسة.

لقد عانى الرئيس كارتر منذ الأيام الأولى لبدء عمله من نتائج الطفرة الكبيرة في أسعار النفط التي نتجت عن تضامن الدول العربية النفطية مع مصر وسورية في حرب تشرين عام 1973 والتي انعكست نتائجها انعكاساً مباشراً على الاقتصاد العالمي، كما أتى احتجاز الرهائن الأمريكيين من قبل الحرس الثوري الإيراني في الأيام الأولى لانتصار الثورة الإسلامية الإيرانية، ليشكل ضربة قاصمة لحظوظه في الحملة الانتخابية للدورة الرئاسية الثانية.

بعد ذلك وصل رونالد ريغان إلى سدة الرئاسة في ظل تضخم اقتصادي كبير، فاتخذ آنذاك قرارات قاسية للحد من التضخم، عانت منها الطبقات الدنيا والوسطى، ولكن الدورة الاقتصادية للكساد أخذت ثلاث دورات رئاسية، اثنتان منها للرئيس ريغان والثالثة لجورج بوش الأب. وكان سقوط الأخير بسبب فشل السياسات الاقتصادية، ولم تشفع له بعض الإنجازات مثل احتلال بنما، وانتصاره في الحرب على العراق، ولأنه الرئيس الذي دشن مسألة تربع الولايات المتحدة كقطب واحد يقود العالم.

وكان من الطبيعي بعد الكساد الحاد، أن يعاود الديمقراطيون تسلم سدة الرئاسة عندما وصل بيل كلينتون إلى البيت الأبيض، وجاء ببرنامج اقتصادي متين، ساعد الأمريكيين على الخروج بسرعة من الأزمة الاقتصادية، واستمر كلينتون دورتين انتخابيتين متتاليتين، واعتُبر من أنجح الرؤساء الأمريكيين، على الرغم من فضيحة ارتباطه بطالبة متدربة في البيت الأبيض. لكن دورة التضخم اكتملت في عهده.. عاود الجمهوريون سيطرتهم على سدة الرئاسة دورتين متتاليتين، أصبح فيهما جورج بوش الابن رئيساً للولايات المتحدة، وكانت الفترتان بالنسبة للعرب من  أحلك الحقب في التاريخ الأمريكي.

ففي عهده سيطر على  الحكم المحافظون الجدد، وطرحوا مشروع الشرق الأوسط الجديد، وجرى احتلال أفغانستان ثم العراق، وبدأت المنطقة بأسرها تتهيأ لانهيارات كبرى. وعلى الصعيد الاقتصادي، اتسمت سياسات جورج بوش الابن بفشل ذريع، فقد شهدت أيامه الأخيرة ظهور أزمة الرهن العقاري، التي تحولت لاحقاً إلى أزمة اقتصادية عالمية، لاتزال تداعياتها تتوالى حتى الآن.

ثم تسلم الرئيس الديمقراطي باراك أوباما دفة الحكم لدورتين متتاليتين، ورغم تبنيه سياسات اقتصادية أعادت الاعتبار للطبقات المتوسطة، وأسهمت في إيقاف حالة الانهيار في الاقتصاد العالمي إلى حد ما، فإن الأزمة لاتزال مستمرة وبحاجة إلى المزيد من جرعات برامج الحزب الديمقراطي، التي تعتمد أساساً على تصعيد الضرائب وتقوية الطبقة الوسطى، وتحقيق دولة الرفاه، ودعم الضمان الاجتماعي، وزيادة عدد الموظفين، والعمل الدؤوب للحد من معدلات الجريمة.

الخلاصة..

يرى العديد من المحللين السياسيين أن عودة الجمهوريين إلى السلطة في الانتخابات القادمة غير محتملة، بسبب أزمة الاقتصاد الأمريكي والعالمي، فهناك أزمات اقتصادية حادة في اليونان وإسبانيا والبرتغال وسلوفاكيا وإيرلندا، فضلاً عن عدد كبير من دول العام الثالث التي يعيش الملايين من سكانها تحت خط الفقر.

ويعني وصول الجمهوريين إلى الحكم في الدورة المقبلة الرئاسية ارتفاع نسبة الضرائب، وتقليل لاستحقاقات الأغلبية من الأمريكيين، وطرد مئات الألوف من وظائفهم، واستنزاف أكبر لدافعي الضرائب لمصلحة شركات السلاح، وبالتالي سيعود ارتفاع معدلات الجريمة، ويتدنى قطاعا الصحة والتعليم، مع إقفال ملايين المؤسسات الصغيرة.

لكل هذه الأسباب، يتوقع المحللون السياسيون أن تكون الرئاسة المقبلة من نصيب الديمقراطيين، ما لم تحدث مفاجآت تغير هذا التوقع.

العدد 1140 - 22/01/2025