حصاد عام مضى.. الكاتب والكتابة
الكتابة حين تكون أصيلة في المرء، ومتجذّرة في دمه وأعصابه، تشبه الذهب الذي مهما علت عليه طبقة الوحل والصدأ، فلن يتلوّث أو يصدأ، بعكس التنك الذي في صلبه الكثير الكثير من الشوائب، فما بالكم إذا علاه الصدأ أو الغبار؟!. وإن الكاتب الموهوب كالطبيب الناجح الذي يجعل من سمّ العقارب والأفاعي دواءً، والكاتب الرديء يبقى السمّ في يده سمّاً وربما أودى أحياناً بحياته.
(و إذا وجدت في نفسك ميلاً للكتابة، فلتكن فيك المعرفة والفن والسحر: معرفة موسيقا الألفاظ، وفن البساطة، وسحر محبّة قُرائك).
الكتب أجنحة العقل..
كما تحمل الأجنحة أجساد الطيور وتهاجر بها من قارة إلى قارة.. كذلك الكتب، هي أجنحة العقل وشعاع الروح، تحمل العقول من الوادي إلى القمة، وترحل بعيداً بالروح من كون إلى آخر..
وإن الكتب كالناس.. (منهم السيد الوقور، ومنهم الجميل الساحر، ومنهم الخائن والجاهل، والوضيع والخليع، والدنيا تتّسع لكل هؤلاء. الناس يموتون.. أما الكتب فلا تموت، ولا يستطيع أي إنسان ولا أية قوة في العالم إلغاء الذاكرة).
الكلام حلو ومرّ
من العجيب والغريب أن الكلام السّيئ والجيد، الطيب والمرّ، اللئيم واللطيف، يخرج من المكان نفسه، لكن وقوعه على آذان الآخرين يختلف اختلاف الجمر عن الرماد، والحديد عن الفلين، والضوء عن الظلام.
فالكلام الطيب والجميل وغير المغلّف بالمصالح والغايات الرخيصة يُحدث الرّاحة في النّفوس، والاطمئنان في القلوب، بينما الكلام اللئيم والسّفيه يقلب الوجوه وينبش القبور ويقصّ أزهار الفرح والسعادة.
(وإذا كان في فمك كلمة حلوة فقلها على الفور لكي لا تفقد حلاوتها، وإذا كان في فمك كلمة مُرّة فأجّلها إلى الغد لكي تفقد مرارتها).
مواسم وفصول
لا يمكن للغيوم أن تبقى حبلى بالثلج والمطر إلى ما لا نهاية.. ولا يصحّ أن يبقى العجين داخل المعجن، ولا النّبع أن تبقى مياهه محتجزة في الأعماق!
هناك في الطبيعة وقت للولادة، كما يوجد بالمقابل وقت للرحيل والمغادرة..
أو ليست الحياة كالمطار.. فيها قادمون.. ومغادرون؟
هناك موسم لتفتّح الورود.. ومواسم لذبولها، كذلك هي أعمار الناس، منهم مَن يتفتّح بالمواسم كالأزهار والورود.. ومنهم من يأتي زمنه فيثور إبداعاً وسحراً وروعة.. فالبذرة السوداء ها هي ذي قد أعطت أخيراً وردة حمراء.
(لم أجد في الحياة سوى قضيتين أوليتين هما الجمال والحقّ، أمّا الجمال ففي قلوب المحبين، وأما الحق ففي سواعد العمال..).
وما أروع وأشرف وأعظم، أن تكون غاية الحياة، كرامة الإنسان!
الشمس والجبال
تحمي الجبال بارتفاعها الجميع، والذنب ليس ذنبها إذا سكنها خائن أو التجأ إليها اللصوص وقطاع الطرق. وهل تُلام الشمس إذا أشرقت في كل صباح على المقابر؟ وهل يتغيّر ضياؤها وقيمة إشعاعها إذا امتدّ فوق مزابل البشر ونفاياتهم السّامة؟!
أبقى وأبرك
قد تكون الحجارة أثقل من الحرير، لكن الحرير أغلى، واللحم أغلى من الخبز، إنما الخبز أبرك، والماء أرخص من النفط، لكن الماء أبقى (ولن يعرف المرء قيمة ما يملك إلا عندما يفقده).
عدالة.. شرف.. كرامة
تذوب الثلوج وتبقى القمم، ويجفّ النّهر ويبقى مجراه، وترحل الطيور وتظلّ أعشاشها بانتظار عودتها في الربيع، وتذبل الورود ويبقى عطرها، ويموت الأحرار وتبقى كرامتهم عالية ومحفوظة، وأرواحهم موجودة حول كل مخلص شريف.
ويضيع الحق بين السّفهاء، وتقلّ قيمة الكرامة بين مَن لا كرامة عندهم، ويحترق العدل في ديارهم كما تحرق النّار العشب اليابس، والثّمر الناضج، ويهضم كما تهضم الدواب والبهائم زهور الياسمين والورود الجورية.
( إن العدل والحق والكرامة تماثل الأوكسجين في أهميتها للحياة.. وليس كالعدل شيء يقوم عليه بناء الأمم وتصفو به الحياة).
ويقوى الحق ويعلو شأن العدل إذا رُويا بالرّحمة، وتشتد سواعد الحرّية إذا سندتها المعرفة والحكمة، وعليه فإن الحق ثمرة الشجر، والعدل جذعها وأغصانها، والحرية زهورها وعطرها.
(وشرف الإنسان هو الشيء الوحيد الذي لا يجوز أن يفقده أبداً، ولو لمرّة واحدة).