ما هي أبعاد الحرب الأمريكية الجديدة ضد «داعش»؟
أمريكا تُطلق الكلب علينا،
وبها من كلبها نستنجد!
أمريكا تطلق النار،
لتجنبنا من الكلب،
فينجو الكلب
لكننا نستشهد
أحمد مطر
المتابع للفكر الغربي يجد أن ثمة جملة من المنظرين الشماليين الماكيافيلليين قد عقدت عزمها اتفاقاً على تصنيع العدو الجديد، وتصويره كامناً في هيئة كل من يعمل، سواء بالرصاص أو القرطاس مثلاً، ضدَّ الفرضيات الإمبريالية الرئيسة التالية:
1- البترول ثروة عالمية: لا يحق لمن يملكها أصلاً التصرف بها إلا بقرار إمبراطوري واحد، ولذلك يتم اليوم تأهيل المستوطنين كي يفلحوا في صيانة وجود حوض شرقي البحر الأبيض المتوسط وتأهيله لاستقبال فعاليات الحفر والتطوير البترولية، المناط تنفيذها للشقيقات البترولية الأوربية الصغرى في (إمبراطورية النفط الكبرى)، وذلك من أعلى هذا الحوض على الحدود التركية شمالاً حتى أدناه عند مصر جنوباً.
2- مصادر النمو الطبيعية: كالمعدنية، والزراعية، والمياه، والعوائد البتروليةالخ، هي ملك رأسمالية الشمال. فالأخيرة هي الأقدر على توزيعها – وفق آليات البنك الدولي – كما تحب وترضى على الشعوب، وذلك كما يحصل اليوم بالنسبة للتفجر الاستثماري المجنون الآخذ بناصية بعض أقطار الخليج العربية مثلاً ( شراء النوادي الرياضية الأوروبية، نقل ورشات هوليود السينمائية.. إلخ).
3- حرية شعوب البشرية: لا يمكن تحقيقها إلا في إطار الديموقراطية الشمالية (!؟).
4- والأصول الحضارية الإنسانية العتيدة: يتوجب استبدالها بأصول تلمودية جديدة على النحو المرسوم في بروتوكولات حكماء بني صهيون. لذلك تعمل القوى الإمبريالية على إرساء استراتيجيات الحروب الشمالية الجديدة عليه وفقاً للأصول العقائدية الاستعمارية الشيطانية التي جاء بها الفيلسوف الإيطالي نيكوللو ماكيافيللي في كتابه (الأمير): وتأتي مقدمة هذه الأصول فكرة الاستيطان التي تقول اختصاراً: (إخلاء الأرض المحتلة من شعبها لوضع مستوطنين مكانهم، يقومون بتنفيذ المهام المشار إليها أعلاه، والأفضل أيضاً استغلال الموالين للعمل تحت راية الاحتلال، وبذلك تصيب الإمبريالية عصفورين بحجر واحد: أي توفر مواطنيها الأصليين لإدارة الأحداث بعيداً عن المغامرة بأرواحهم مقابل وضع الموالين من أبناء الشعب المحتل لإدارة شؤون البلاد والناس كيفما أراد الإمبراطور إلخ، حيث يفضل منهم من كانت أمه يهودية حقاً (!؟) أو زوجته. وما الحرب العدوانية الإرهابية- الدائرة على قدم وساق في سورية والعراق إلا لتحقيق الأهداف آنفة الذكر، وتهيئة البيئة المناسبة لذلك، حيث تعمل القوى الإمبريالية والموالون للغرب في دويلات الخليج العربي وحكومة أردوغان التركية الإخوانجية على عمليات توطين القوات الإمبراطورية وتحريكها في تفجير بلاد الشام والعراق، إلى جانب المجموعات التكفيرية المسلحة وما يسمى بثورات الربيع العربي بماركاته المختلفة،وتحلم تركيا بإقامة منطقة عازلة على الحدود مع سورية تكون قاعدة عمليات لتدمير الدولة السورية من خلال استهداف الأرض والإنسان والتاريخ والجغرافية، وتمزيق النسيج الاجتماعي للشعب، من خلال طرد عناصر مكوّنة للدولة بأرضها وشعبها بهدف تقسيمه وتشطيره وتوزيعه على دول عدة، لضرب وحدته، وبالتالي اختلال توازنه النفسي. إن واشنطن تريد ترميم عظام عملائها في المنطقة وأدواتها من دويلات الخليج العربي والمجموعات الإرهابية وما يسمى معارضة، لاستباحة المنطقة العربية كرمى لكيانها المصطنع في فلسطين، وإعادة تموضع القواعد العسكرية الأمريكية في المنطقة لتعزيز هيمنتها على المنطقة ونقل الأزمات الدولية إلى منطقة (الشرق الأوسط) لإضعاف أو تفتيت أو تشتيت الدول المحيطة بالكيان الصهيوني بحيث تنقل حالة الصراع من صراع بين قوى الهيمنة التي تسيطر على اقتصاديات العالم ويتحول الصراع الى صراع ايدلوجيات دينية مذهبية (صراعات مذهبية وإثنية وطائفية وإقليمية) ولن تسلم منها دول الخليج التي سوف تُدمّر وتُستنفذ كافة اقتصاداتها المُعتمدة على النفط والغاز، إضافة إلى تحريك سوق السلاح الأمريكي من خلال المزيد من بؤر التوتر في المنطقة وتجريب الأسلحة الجديدة بلحم أبناء المنطقة.
ولتحقيق كل ماذكر بدأت الولايات المتحدة بتنفيذ الخطة (أ) منذ عام 2007 ضد سورية والتي تتألف من: العمليات السرية ودعم ما يسمى قوى معارضة لتدمير الدولة السورية وخلق عصابات لنشر الرعب بين السكان وإحداث الفوضى.ودعم الجماعات الإرهابية ومدها بالأسلحة وتسميتهم بـ (الثوار) وهي المعارضة نفسها التي شقت صدر الجندي السوري وأكلت قلبه ووصفتها بالمعارضة المعتدلة.واتهام سورية باستعمال السلاح الكيماوي ضد هؤلاء المرتزقة.
وحاولت واشنطن تطبيق (ضربات انتقائية) كمؤتمر جنيف الأول والثاني، وخلق وضع غير منضبط على الحدود مع الكيان الصهيوني في فلسطين، لكن كل المحاولات كانت غير حاسمة وفشلت، الأمر الذي أدى إلى عسكرة المنطقة بأكملها فضلاً عن نشر صواريخ الباتريوت في تركيا، ثم انتقلت لتنفيذ الخطة (ب)، والتي تشمل العمل على سيطرة داعش على 90 ألف كم مربع من سورية والعراق وإنزال الرعب في قلوب 8 ملايين نسمة. وتنظيم حملة دعائية عن قسوة (داعش) وذلك بهدف فرض أتفاق عسكري مع العراق يسمح بإعادة احتلاله من جديد، والإطاحة السريعة بنوري المالكي (وهذا ما تحقق) الذي عارض الهجمات الأمريكية على سورية وهي اليوم بدأت بالقصف الجوي على داعش، وترفع الحظر عن قصف سورية تدرك أنه لايمكن إسقاط دمشق بالضربات الجوية، وأرسلت واشنطن قوات إلى العراق تتكون بالأساس من العرب والباكستانيين ليقتلوا العرب والباكستانيين في صفوف (داعش)، ويترافق ذلك مع طرد جماعي للأقليات العرقية والدينية من أماكن إقامتهم بمساعدة الجماعات الإرهابية بمن فيهم (داعش)، وهذه الخطة تتفق مع خطة بايدين على مبدأ (فرق تسد)، تدمير المدن الكبيرة وخلق دويلات صغيرة متناحرة في مناطق،ويترافق ذلك مع ظهور تقارير صحفية بشكل مفاجئ تتحدث عن جماعة إسلامية تدعى (خراسان)، وتعد أكثر خطورة من (داعش)، والقاعدة واعتبر مدير الاستخبارات الأمريكية إن خطورة هذه الجماعة لا تقل عن (داعش) وأنها تمثل تهديداً كبيراً لبلاده. ويبدو أن الحديث عن (جماعة خراسان) في هذا التوقيت لم يكن من قبيل المصادفة، والسؤال لماذا؟!
تشير واشنطن إلى هؤلاء على أنهم (جماعة خراسان)، ولا تذكر أنهم (أمراء) في (جبهة النصرة)؟ هذا الأمر يقودنا للقول: إن الدول الغربية بقيادة واشنطن اخترعت (داعش) في دولتين عربيتين كانت عاصمتاهما مركز القرار الكوني في بعض حقبات التاريخ الإنساني،هما سورية والعراق،حيث فتح بطن التاريخ بالسيف، ومزقت الجغرافيا بطوابير الغزو الآتية من الجاهلية، وأصاب العطب الوحدة الوطنية،فاجتاحتها الفتنة. وكما بات معلوماً ومعلناً على لسان صناع القرار في واشنطن إن أمريكا هي من صَنَع داعش، وهذا ما أكدته هيلاري كلينتون في كتاب لها أطلقت عليه اسم (خيارات صعبة)، حيث قالت: تم الاتفاق على اعلان الدولة الإسلامية يوم 5/7/،2013 وكنا ننتظر الإعلان، وتابعت تقول: (كنت قد زرت 112 دولة فى العالم،وتم الاتفاق مع بعض الأصدقاء على الاعتراف بالدولة الاسلامية حال إعلانها فوراً)، واليوم أعلنت حربها على داعش بكلفة 500 مليار دولار ستدفعها قطر والسعودية ودويلات أخرى وفي الوقت نفسه تدرب وتدعم العصابات الإرهابية من جماعات النصرة والقاعدة تحت مسمى قوى معتدلة! ستقوم بريطانيا وبعض الدول بتدريبها، وذلك بهدف استكمال مخططها للمنطقة، والهدف الأهم هو الحفاظ على أربيل مشروع الدولة الصهيونية الجديدة في المنطقة. وكما تذكر بعض المواقع الالكترونية إن ليلة السابع والثامن من آب عام 2014 غيَّرت وستغيّر الكثير من الحسابات الأمريكية في المنطقة،عندما دخل مقاتلو (داعش) شوارع أربيل، التي أضحت خلال عشرة أعوام بفنادقها وشققها المفروشة شبيهة بجنيف، حيث يقيم رجال الاستخبارات الأمريكية و(الإسرائيلية) بكلّ راحة مزوّدين بكلّ وسائل الرفاهية والترف والشعور بالاطمئنان، وحيث الشركات الأمريكية الكبرى وظفت رساميل هائلة لبديل عن دبي كعاصمة للاستثمار في المنطقة، بنصائح من الاستخبارات الأمريكية لجعلها عاصمة لشركات النفط العالمية، شركات التنقيب والتكرير والصيانة ومدّ الأنابيب وهي بالمئات، قد اتخذت من أربيل مقراً رئيسياً لنشاطاتها في المنطقة، ومثلها فعلت شركات الأمن الأمريكية الكبرى التي تشتغل في بغداد وتطمح لسواها من العواصم، لكن إداراتها ومخازنها ومعداتها التكنولوجية عالية الكلفة والحساسة بشروط أمانها موجودة في أربيل، وتسعى واشنطن لتكون أربيل عاصمة اقتصادية واستراتيجية، ومنها كلّ مقرات التنصّت على إيران، وربما أيضاً روسيا والصين.
على أي حال، مهما تفنن أصحاب الإمبريالية الصهيونية وأذنابهم واخترعوا من مشاريع في السر والعلن، فإن مشاريعهم ساقطة ومكشوفة، وكما يقول المثل العربي (من جرب المجرب عقله مخرب). وكل قراراتهم بألوانها المختلفة لن تؤثر قيد أنملة على قوى المقاومة وفي مقدمتهم سورية العروبة، وهي تزداد قوة وصلابة، وما صدر وما سيصدر عنهم لن يكون إلا كتابة على الماء.والمقاومون لن يكونوا في أي حلف أو جبهة تقودها واشنطن منبع الشر والإرهاب العالمي، واليد التي تمتد على سورية ستقطع، وكما هزم شعبنا المعتدين عبر التاريخ سيهزم المعتدين الجدد.