التقرير الاقتصادي والاجتماعي لامــس بعـمق قهـر الســوريـين
جاء مشروع التقرير الاقتصادي والاجتماعي، الذي أقرّه المكتب السياسي، والمقدّم إلى المؤتمر الثاني عشر للحزب الشيوعي السوري الموحد، شاملاً لكل جوانب الحياة الاقتصادية خاصة، والاجتماعية بشكل عام في سورية التي تعيش منذ أكثر من أربع سنوات حرباً همجية أتت تقريباً على كل مقومات الحياة بكل اتجاهاتها في بلد كان ينعم بالاكتفاء الذاتي على أقل تقدير، فقد تناول المشروع القضايا الأساسية الهامة بمزيد من التوضيح والتوصيف الدقيق لاسيما للوضع الاقتصادي الذي لم يتناوله أي طرف في سورية كما تناوله الحزب الشيوعي السوري الموحد عبر صحافته بشكل دائم ومستمر، من خلال الإضاءة وبجرأة وشفافية على مواضع الخلل والفساد وسوء التصرف أو الإدارة. وقد أجاد في تحديد قيّم وموضوعي لموقف الحزب والمهام والتوجهات المستقبلية في نهاية التقرير.
غير أن هذا لم يعفِ التقرير من التقصير في المطالبة الواضحة والجدية بجملة من الأمور، سأوردها بالترقيم الذي وردت فيه على الشكل التالي:
الآثار الاقتصادية والاجتماعية للأزمة
تفتقر هذه الفقرة إلى طرح مقترحات الحزب للحلول التي يجب مطالبة الحكومة أو مناقشتها فيها، مثل مناقشة التقرير لآثار الحصار الخارجي، (والذي شمل ظاهرياً فقط بعض المسؤولين، وبعض رجال الأعمال المتنفذين وعدداً من المؤسسات الحكومية)، بينما دفع ثمنه المواطن العادي فقط وحيداً وعارياً وخاوياً من كل مقومات الحياة البسيطة، حتى أن أولئك المتنفذين الذين شملهم الحصار ظاهرياً هم ذاتهم من يتاجرون بدواء الناس وغذائهم، إذ فُقدت من الأسواق والصيدليات والمشافي الأدوية الضرورية، لاسيما للأمراض المستعصية التي تتطلب أدوية من مصادر محددة، وهي في الوقت ذاته غالية الثمن ولا يقدر المواطن العادي على دفعه.
عجز الموازنة العامة للدولة
لم يتطرق مشروع التقرير أثناء مناقشة عجز الموازنة إلى أن هذا العجز يفترض من الحكومة أولاً التقشف في العديد من القضايا والأمور التي لا داعي لها، بينما فرضت على الجهات التابعة لها التقشّف في أمور زادت من معاناة العاملين والموظفين مثل التقشّف في المازوت وتوقف العديد من آليات نقل الموظفين من أماكن عملهم وإليها، إضافة إلى عدم تأمين التدفئة شتاءً بينما مكاتب المسؤولين تنعم بدفء مُغالى فيه، كما أن التقشف الحكومي بالنسبة لدوائر الدولة اقتصر فقط على احتياجات العمل من قرطاسية أو إصلاح للآلات وما شابه، بينما هناك مصاريف ومظاهر من البذخ لم يتطرق إليها المشروع، كإقامة المهرجانات والاحتفالات التي لا داعي لها في بلد ينوء من ثقل الحرب وما أفرزته، إضافة إلى الاستمرار في امتلاك العديد من المسؤولين لعدد من السيارات بمصاريفها الملقاة على عاتق ميزانية الدولة دون وجه حق، كما أن الحكومات المتعاقبة منذ اندلاع الأزمة حتى اليوم، تتعامل في إدارة الملفات الحساسة كما لو أنها في وضع طبيعي. ولم يُشر التقرير إلى ما إذا كان للحزب- خارج نطاق صحيفة (النور)- دور فاعل في مناقشة هذه الأمور مع الحكومة.
تراجع الإنتاج الزراعي والصناعي
لم ترد الإشارة إلى أن رفع أسعار الأسمدة والأعلاف المازوت وباقي المشتقات النفطية اللازمة للزراعة والصناعة من قبل الحكومة، قد أضرّ كثيراً بالإنتاج الزراعي والحيواني في وقت تحتاج فيه البلاد إلى كل حبة قمح أو سواها، في حين من المفترض أن تكون الأسعار تشجيعية للفلاحين في مجال المحاصيل الاستراتيجية والهامة والضرورية في زمن الحصار والحرب. أمّا في مجال الصناعة فالأمر أكثر صعوبة، لاسيما لناحية استجرار الكهرباء التي رفعت الحكومة أسعارها مع المازوت والمشتقات النفطية الأخرى بالنسبة للصناعيين بدل أن تساعدهم على الأقل في هذا المجال.
حرمان نسبة كبيرة من أطفال سورية من الالتحاق بالمدارس
لم يتناول التقرير هذه الظاهرة وانعكاسها على الأطفال والمجتمع بشكل واضح، فقط جرت الإشارة إلى وجود هذه الظاهرة دون طرح ما يجب على الحكومة ومنظمات المجتمع المدني فعله في هذا المجال لتلافي ارتفاع نسب التسرب في مراحل التعليم كافة، والأخطر من ذلك هو عدم التحاق أعداد كبيرة من الأطفال بالتعليم بسبب الظروف المحيطة من جهة، وبسبب جهل الأهل وتخلفهم من جهة أخرى، إذ نجد العديد من الأسر التي نزحت إلى مناطق آمنة لا تُرسل أبناءها للمدارس، وهذا ما سينتج عنه مستقبلاً أجيال بأكملها ترتع في ظلمة الأمية المرعبة والمؤثّرة بشكل كبير على تطور الفرد والمجتمع وارتقائهما. كما لم يتطرق التقرير إلى الأطفال مجهولي النسب أو مكتومي القيد، (وهو ما تناولناه على صفحات (النور)، والذين لا يتمّ تسجيلهم في القيود الرسمية، أطفال ولدوا لأم لا تعرف من اغتصبها، أو لأم زُوجت خارج إطار المحكمة الشرعية، ثم هرب الزوج دون تسجيل مولوده في القيود الرسمية، وما يترتب على هذه الظاهرة اجتماعياً وقانونياً بالنسبة للطفل والأم.
النزوح والهجرة نتيجة الأزمة
وصف الحالة دون التطرّق إلى السطو على ممتلكات المواطنين الذين يفرون من مناطق القتال:
(كما أدت حالة النزوح الواسعة إلى ضغوط مالية وتنظيمية على الجهات العامة المعنية من أجل تأمين حاجات هؤلاء المهجرين من سكن وغذاء وتعليم وخدمات. كما أدت أيضاً إلى ارتفاع أجور السكن وزيادة الضغط على خدمات النقل والتعليم والصحة)).
ولم يتطرق التقرير إلى الفساد الكبير في مجال توزيع المعونات والمساعدات، وأن قسماً كبيراً من المعونات المحلية والدولية المقدمة لهؤلاء المهجرين أو النازحين تُسرق قبل وصولها إليهم من قبل بعض القيّمين على التوزيع. أما في ما يخص غلاء أجور السكن، فلم يتطرق التقرير إلى تقاعس الحكومة، بل فُتح الباب على مصراعيه أمام تجار الأزمات، لأنها لم تضبط هذا الوضع المأساوي بقوانين صارمة تعمل على مساعدة أولئك المهجرين والنازحين بما يخفف عنهم أعباء تأمين مسكن لهم، ومثله خدمات النقل والتعليم والصحة.
تردي أوضاع العمال والفلاحين
في مجال مناقشة أوضاع عمال القطاع الخاص، جرى توصيف الحال وتقدير نسبة البطالة، دون الإشارة إلى أن غالبية هؤلاء العمال أو أصحاب الورشات الصغيرة والمحال التجارية المتضررة، قد لجؤوا إلى العمل على بسطات احتلت مساحات واسعة من شوارع المدن والبلدات، وهذا أمر طبيعي باعتقادي، لأن أولئك العمال لا بدّ سيبحثون عن مصدر رزق لأسرهم بعد تسريحهم أو إغلاق المنشآت وما شابه، ومؤخراً قامت محافظتا دمشق وريف دمشق بإخلاء الشوارع من هذه البسطات، وهذه حالة حضارية، لأن الوضع السابق قد خلق اختناقات مرورية للآليات والناس، لكن كان الأهم والضروري هو تأمين أماكن أخرى بديلة لأصحاب تلك البسطات كي لا تتفاقم حالة الفقر والعوز والجوع لدى السوريين، وبذلك يتمّ تخفيف الضغط على الجهات الحكومية المعنية.
ازدياد مشاكل الشباب ومعاناتهم
كسابقتها، تمّ توصيف الوضع المأساوي الذي يعانيه شباب سورية الذين إما قتلوا، أو ذهبوا للمعارك، أو اعتقلوا أو هاجروا بحثاً عن عمل وأمان، وبهذا تكون البلاد قد أُفرغت من أهم أعمدة بنائها وإعادة إعمارها. لذا نجد أن استراتيجية الحلول قد غابت من التقرير الذي لم يتطرّق أبداً إلى وضع الشباب في التجنيد.
الأوضاع المأساوية للمرأة السورية
الفقرة المخصصة لمعاناة المرأة لا تتوافق أبداً مع حجم ما أصاب المرأة وما تحملته في ظل الظروف الراهنة على الصعد كافة.
كما لم يتطرق التقرير إلى ارتفاع نسب الزواج، لاسيما للطفلات خارج إطار المحاكم الشرعية، ولا إلى ارتفاع نسب الطلاق التي تطرّق إليها القاضي الشرعي الأول بدمشق، وكثير من حالات الطلاق لم تُسجل في المحاكم نتيجة عدة أسباب، أهمها الزواج بشكل عرفي، أي خارج إطار المحاكم الشرعية. إضافة إلى الولادات التي لم يتم تسجيلها لدى السجلات الرسمية ناتج الزواج العرفي وهروب الزوج، أو ناتج الاغتصاب الذي تعرضت له المرأة، مما يؤدي إلى ارتفاع المواليد مكتومي القيد أو مجهولي النسب.
الإجراءات والتدابيرالحكومية لمواجهة الأزمة
لم يتطرق التقرير إلى الفساد الكبير الذي استشرى أكثر مما قبل الأزمة تحت ستار الوطنية وضرورة الوقوف إلى جانب الحكومة في ظل هذه الظروف، حسب منطق أولئك الفاسدين.
وحين تطرق إلى تجّار الحروب، لم يُشر إلى أن الحكومة ذاتها، بدل أن تقمعهم، فتحت لهم الأبواب مشرّعة لتكديس أرباحهم من دماء الناس وجوعهم ووجعهم دون أن يرف للمسؤولين جفن، أو يتخذوا أي إجراء ولو ظاهرياً بحق أولئك السفاحين.
متابعة النهج الليبرالي
لم يتطرق التقرير أو لم يشر إلى أن ما لم تستطع حكومة العطري والدردري القيام به خشية إثارة استياء الناس أكثر حينذاك، قد نفّذته حكومات الأزمة بكل جرأة ووقاحة ونفّذت ما عجز عنه مصممو اقتصاد السوق (الدردري).
(… إن اتباع مثل هذا النهج يثير مخاوف جدية حول التعامل مع القضايا الاقتصادية والخدمية في هذه الفترة، وفي مرحلة إعادة الإعمار التي يُخشى أن تجري على غرار التجربة اللبنانية في هذا المجال، الأمر الذي يهيئ البيئة المناسبة لفساد هائل قادم لا يشكل الفساد الحالي سوى جزء يسير منه).
المثير للدهشة هنا ما جاء في التقرير، فهل يتوقع واضعو التقرير أفضل من هذا بعد كل التجارب التي مررنا بها كسوريين في ظل الحكومات المتعاقبة خلال الأزمة، ألستم أيها الرفاق موقنين أن الأمور تسير للأسوأ حتماً بحكم السياسات الليبرالية المتبعة، وبحكم استشراء الفساد لدى هذه الحكومات؟!
واضح أن الحكومات المذكورة لا تريد لعجلة الإنتاج أن تعاود دورانها، وإلاّ ما سمحت لأولئك الذين يفرضون أتاواتهم على الفلاحين والصناعيين، وبالتالي يعرقلون وربما يلغون كل ما من شأنه أن يعيد الحياة للزراعة والصناعة في البلد. وهنا باعتقادي يجب أن يكون للحزب موقف صلب أكثر من مجرد الإشارة وتوصيف الحالة.
مرحلة إعادة البناء والإعمار
جاءت الفقرة شاملة ووافية لكل ما يتعلق بإعادة البناء والإعمار، غير أنه كان من المفترض الإشارة إلى أنه من الضروري أن يؤخذ بالحسبان أحقية الفئات الشعبية الفقيرة في الحصول على سكنها في المناطق ذاتها التي هجّرت أو نزحت منها، والتي تعرضت للتهديم والسلب والنهب، كي لا يقعوا ضحية أهداف مستثمرين لا يرغبون بوجود تلك الشرائح في أبراج استثماراتهم المقامة من أجل شرائح من المجتمع المخملي أو طبقة الأسياد.