الجذور مرة والثمار حلوة

إن أثمن شيء يمكن أن يحمله الإنسان هو فكره..

فالفكر محصّن ومحمي ولا أحد باستطاعته أن يحرمنا أو يمنعنا من التفكير.

ودائماً.. على مر العصور (كانت الأفكار العظيمة والخطيرة تواجهها معارضات شديدة العنف من قبل العقول الضعيفة).

إنما ليس كل من فكّر كانت أفكاره عظيمة، ولا كل من حلم كانت أحلامه خطيرة، وهل ينبت في الأرض جميع البذار التي نزرعها في تربتها؟! وهل كل الغيوم السابحة من فوقنا تحمل في بطونها الثلج والمطر؟

إن عقول الناس كأصداف البحر، بعضها يحمل لؤلؤاً، وبعضها الآخر فارغ إلا من الرمل والحصى.

وكثرة الحكي والثرثرة لا تجعل من صاحبها إنساناً مفكراً وفيلسوفاً نابغاً، كما أن كثرة الدخان وكثافته لا تدفئ الأبدان، بل تعمي العيون.

وإن الرؤوس كالأفخاخ والمصائد، بعضها يصطاد الطيور الجميلة، وبعضها الثعالب المحتالة، فالأفكار هي الطريدة التي أطبق عليها الفخ أو المصيدة. فإما أن تكون طيوراً جميلة أو ثعالب محتالة.

(وإن الحياة فكر.. فكر متطلع دائماً إلى الأفضل والأرقى والأحسن، وهي لا تفتح أبوابها للراجعين والجهلاء والراضخين للقيود والأغلال، فالحياة في تكيّفها وتطورها تعلن أنها تنشر الانفتاح الفكري وتسعى وراءه أبداً).

إن الجذور ضرورية لكل الشجر، لكنها نادراً ما تؤكل، فهي مرة المذاق، لكنها تغذي الثمار وتعطيها حلاوة الأرض، كذلك هي بعض الأفكار التي نحملها في داخلنا، مرة لكنها مفيدة، وقاسية كأي صخر مطمور تحت التراب، لكنه ضروري  لبقاء القلاع وأبراجها.

(إن النحلة تعطي عسلها في الظلمة، والفكر يعطي سوانحه في السكينة، والفضيلة تظهر حقيقتها في الكتمان والخفاء).

ولا تنبع الأفكار العظيمة إلا من قلوب مشتعلة وعقول ملتهبة، لكنها تصل إلينا ونحن نقرؤها، كما يصل نور الشمس وحرارتها إلى الأرض، هادئة وصامتة ولطيفة.

فالشمس لا ترسل نورها إلا بعد احتراقها وحدوث انفجارات قوية في صدرها، كذلك هم أصحاب الفكر الحر والآراء النبيلة، تعجبنا فلسفتهم في الحياة، وننسى في أحيان كثيرة عذابهم واحتراقهم المستمر..

فهل فكر أحدنا يوماً بما تعانيه البذرة المدفونة تحت التراب، كيف تجاهد وتقاوم للخروج إلى الضوء، وكيف تغلي وتفور البراكين والينابيع من تحت أقدامنا؟!

(إن الفكرة عملاق صغير يجب رقابته نهار مساء، لأن الفكرة التي حبت على أقدامك بالأمس، سوف تملأ رأسك غداً..).

العدد 1140 - 22/01/2025