للحفاظ على كيان الدولة ووحدة أراضيها.. وإنهاء معاناة الشعب السوري استحقاقات مصيرية أمام السوريين رهنٌ بالحلّ السياسي للأزمة

قد يبدو الحديث عن ضرورة إنهاء الأزمة السورية بالوسائل السلمية، في نظر البعض، نوعاً من التكرار المملّ، خاصة بعد جهود متعثرة بُذلت في الماضي، بمبادرة من الولايات المتحدة، زعيمة التحالف المشارك قولاً وفعلاً في تصعيد هذه الأزمة بعد الغزو الإرهابي وتحويلها إلى خطر إقليمي ودولي، ومأساة إنسانية يدفع الشعب السوري ثمنها غالياً جداً..

لكننا قلنا في الماضي، ونقول اليوم: دلّونا على طريق آخر للحفاظ على سورية وكيانها ومؤسساتها وشعبها وأمنها حاضراً ومستقبلاً..

صحيح أن المبادرات السابقة لمنتدى موسكو، التي رعتها قولاً المنظمة الدولية، وفعلياً الولايات المتحدة وشركاؤها، لم تؤدِّ إلى نتائج مشجعة على استمرارها، لكن الصحيح أيضاً أن السوريين يمكنهم التلاقي بعيداً عن تدخل هؤلاء المشاركين في الحرب على سورية، وهذا ما دعانا إلى التفاؤل بالمبادرة الروسية ومنتدى موسكو.

في موسكو 2 لم يجر اختراق هام، لكن تقارباً ما في وجهات نظر الأطراف المشاركة أتاح الاتفاق على بعض المسائل التي تُعد نقطة انطلاق إلى اتفاقات أخرى تتنوع بتنوع الاستحقاقات الموضوعة اليوم أمام جميع السوريين، والتي يأتي على رأسها الحفاظ على كيان الدولة السورية ومؤسساتها وأراضيها في مواجهة غزو إرهابي اجتياحي مدعوم من جميع قوى الإرهاب والظلام في العالم.

في مساعي إنهاء الأزمة السورية لا يجوز الحديث عن الربح والخسارة، فالوطن -إذا ما استمرت الأزمة- هو الخاسر، والشعب هو الضحية.

إن نجاح المساعي السلمية، وتلاقي السوريين على مفاتيح إنهاء الأزمة يفتح الطريق الآمن لتلبية استحقاقات أخرى لا تقل أهمية عن الحفاظ على الكيان، ووقف النزيف.. إنها بكلمات بسيطة وواضحة تعيدنا نحن السوريين إلى تعايشنا المنسجم المتآلف منذ مئات السنين، بعد أن عبث بهذا التعايش بعض المستفيدين والمرتزقين من آلام السوريين وأمراء الحرب، وغذّوا كلّ ما من شأنه إحياء النعرات التي أصبحت قبل الأزمة من منسيات جميع الفئات الاجتماعية السورية.

إن تأكيدنا ضرورة الحل السياسي، وإنهاء عذابات السوريين يعني أيضاً بكلمات واضحة وصريحة فتح الآفاق أمام شعبنا لاجتراح المعجزات كما فعل دائماً.. فالاقتصاد السوري يحتاج إلى إعادة إنهاض.. ومنشآتنا الاقتصادية بحاجة إلى إعمار.. ومهجرو تداعيات الأزمة سيعودون إلى بيوت مدمرة جزئياً أو كلياً، وهذا ما يستدعي (التشمير) عن السواعد، وبذل العرق والجهد في مناخ آمن، ومستقر، وبيئة اجتماعية منسجمة..

 دون بذل الجهود السلمية من قبل الجميع وإنجاحها، لا يمكن رفع المعاناة المعيشية والاجتماعية التي تواجه جماهير الشعب السوري، والتي وصلت إلى حدود مأسوية. الجهود الحكومية وحدها، في ظل استمرار الأزمة، غير قادرة على رفع هذه المعاناة، فالحصار ظالم، والخسائر تتفاقم، والموارد محدودة، وجماهير الشعب السوري فقدت الكثير..

ودون إنهاء الأزمة سلمياً لن تختفي من حياة السوريين منغصات عانوا منها طويلاً،كالاعتقال، والخطف، والاختفاء القسري، والفساد والإثراء على حساب الدم السوري..ولن يتاح لجماهير شعبنا تحقيق طموحاتها بمستقبل سوري ..ديمقراطي ..علماني.

البديل عن الحلول السياسية لا يمكننا حتى تصوّره، لكن ما يحدث في بعض المناطق التي اجتاحها الإرهابيون ربما يمثل جانباً من مخاوفنا من هذه البدائل.

تلاقي السوريين على الحل السياسي هو الضامن الوحيد لمكافحة الإرهاب التكفيري، وهو الأمل الذي تتمسك به جماهير الشعب السوري وجميع قواها السياسية الوطنية.

لقد صدرت إشارات سلمية مشجعة في منتدى موسكو، وفي بعض التصريحات الرسمية، لكن المطلوب أكثر من ذلك.. فهل نفعل؟!

العدد 1140 - 22/01/2025