اليسار المعاصر.. بين الأحادية وشرعنة الأدوات الكفاحية!!..
إن أحد أهم مآزق الاتحاد السوفييتي ودول المنظومة الاشتراكية وغيرها من الدول المشابهة، هو أن الحزب قد استلم السلطة فيها وأصبح هناك اندغام بينها وبينه. لقد عزز هذا الاندماج النزعة المحافظة لدى كل من الحزب والسلطة في آن واحد، وفقدت الطبقة العاملة أداتها النضالية المدافعة عن حقوقها، لأن مهمة الحزب، ومهمة النقابات التي اندمجت هي أيضاً مع السلطة، قد أصبحت الدفاع عن السلطة، لا عن مصالح الجماهير الشعبية، بذريعة أن الحزب والنقابات هما من يمثل هذه المصالح. وبالتالي، لا حاجة إلى الطبقة العاملة. ثم إن منع الجماهير الشعبية والطبقة العاملة من تشكيل منظماتها النضالية بصورة حرّة، قد زاد وعمّق الاتجاه المحافظ لدى السلطة والحزب والنقابات، هذه، المرتبطة بعضها مع البعض الآخر. وقد أدى ذلك إلى اتساع الهوة بينها وبين الطبقة العاملة أو الجماهير الشعبية التي أصبحت تتغرب أكثر فأكثر. وهذا ما أدى بالتالي، إلى فقدان هذه السلطة (شرعية) تمثيلها لهذه الجماهير.
إن التجربة التاريخية المتراكمة تشير، بوضوح كامل، إلى أن السلطة تحمل باستمرار في طياتها نزعة محافظة، لأنها سلطة. والضمانة الأساسية لإضعاف هذه النزعة هو أن يكون للجماهير الشعبية منظماتها الحرة، المستقلة، التي تستطيع من خلالها الدفاع عن مصالحها ومراقبة السلطة نفسها، كي تحول دون تحوّلها إلى أداة معاكسة لمصالحها. ولذلك، فإن الخطأ التاريخي الذي ارتكبه الحزب الشيوعي السوفييتي والأحزاب الحاكمة آنذاك في المنظومة الاشتراكية، والأحزاب المشابهة التي تشكلت في البلدان النامية، يكمن في هيمنة هذه القوى على كل حياة البلاد هيمنة كاملة، وحرمان الطبقة العاملة والجماهبر الشعبية من حريتها في تكوين منظماتها المستقلة، ما أدى بالتالي إلى حرمانها من أدواتها الكفاحية. وهذا ما أدى إلى انعزال الحزب والسلطة عن الجماهير الشعبية وعن الطبقة العاملة انعزالاً ظهرت آثاره التدميرية فيما بعد. ربما كانت هذه المسألة هي أحد أهم الاستنتاجات التي يجب الوصول إليها نتيجة سقوط الأنظمة الاشتراكية، وكذلك، عدد من أنظمة التحرر الوطني.
أما الاستنتاج الثاني حسب اعتقادنا، فهو أن أي حزب من الأحزاب، لا يستطيع تمثيل مصالح جميع الجماهير المنتجة، العمال والفلاحين، وبالتالي، فإن المستقبل لن يبنيه حزب واحد، وإنما تحالف أو تعاون مجموعة أحزاب تمثل مصالح فئات الجماهير الشعبية المنطلقة نحو المستقبل، في إطار من المساواة الكاملة، لا في إطار هيمنة حزب على آخر. وربما لو استطاع الحزب الشيوعي السوفيتي أن يدرك هذه الحقيقة، لكان الوضع أفضل بكثير، ولكان استطاع أن يخلق تنوعاً في المجتمع السوفييتي يشكل مصدراً للحركة والتطور الدائمين.
إن احتكار حزب واحد للسلطة سيؤدي إلى القضاء على التنوع، مهما كانت الشعارات التي تُرفع. وبالتالي، سيؤدي إلى الركود المجتمعي، وإلى التراكمات الثأرية غير الظاهرة على السطح، وإلى التشوهات الاجتماعية كـ: التملق والانتهازية والنفاق، وإلى إضعاف منظمات المجتمع المدني.
إن الأحزاب الثورية هي من يلعب الدور الكبير في وضع ملامح الطريق الذي يجب أن تسير فيه إلى المستقبل، بأسلوب ديمقراطي كفاحي.