هذا ما ينقص المواطن.. تحرير الأسعار!
تساءلنا منذ أن أصبح اقتصاد السوق أمراً واقعاً، بعد أن اشتغل أصحاب الرؤية النيوليبرالية على اقتصادنا الوطني مع بداية الألفية الجديدة: هل أصبح لدينا في سورية متخصصون في كيفية إثارة جماهير الشعب السوري؟ أين يتخصص هؤلاء ومن كان يلقمهم؟ وأية أهداف قريبة أو بعيدة يسعون إلى تحقيقها؟!
قبل أزمة الوطن والشعب كان هؤلاء يطلقون الشرارة، ربما بتصريح هنا، أو إشاعة هناك، وينتظرون ردود الأفعال، ثم تتحول هذه الشرارة إلى قرارات صادمة، بعد أن يتلقوا مباركة النخب والمنتفعين والحاصدين والساكتين! أما ما تتركه هذه القرارات الصادمة من تأثيرات على جماهيرنا الشعبية ومعاناتها المعيشية والاجتماعية، فهذا شأن آخر سيهتم به متخصصون آخرون مهمتهم قلب الحقائق، وتزوير الواقع بعد أن دخلنا الأزمة، وحوصرنا اقتصادياً من قبل قلعة الرأسمالية العالمية والاقتصاد الحر.. الحر، وحلفائها، وبعد أن تفاقمت معاناة شعبنا إلى درجة يصعب تصديقها، فسالت دماء أبنائه غزيرة، وهجّر ملايين منهم من مناطقهم وبيوتهم، وأصبحوا يحصلون على كفاف يومهم بشق الأنفس إثر الارتفاع الجنوني لأسعار جميع المواد، وسيطرة حفنة من تجار الأزمات وأثرياء الحروب، ومشعليها، على الأسواق (البيضاء) والسوداء، وفي ظل غزو تنفذه أكثر المجموعات الإرهابية بطشاً وفاشية. بعد كل ذاك جاء دور هؤلاء الذين يهمسون بداية بالحلول (السحرية) في زمن المصاعب، فيصبح الداء دواء، وتنقلب المصائب زغاريد.
من يصدّق أن بعض هؤلاء يقترحون على الحكومة في زمننا الصعب هذا: تحرير الأسعار، كوسيلة لتخفيف المعاناة المعيشية التي تواجهها جماهيرنا الشعبية، وطريقة مجربة مثلى للجم الصعود الخرافي لأسعار الدولار الأخضر؟! ومن يصدّق أن بعض مسؤولينا الاقتصاديين يدرسون هذه الاقتراحات، بعد أن أبدوا عجزهم عن حماية لقمة المواطن السوري، متناسين حقيقة أثبتتها وقائع الحروب والأزمات التي تعرضت لها البشرية في التاريخين القديم والحديث، وهي عدم جواز ترك لقمة الصامدين والمدافعين عن البلاد والكيان، والحاضر، والمستقبل، رهناً بيد أصحاب المصلحة في إشعال الحروب واستمرارها، وأن تأمين مستلزمات الصمود في وجه الأعداء يبدأ بتأمين السلاح والغذاء والدواء للواقفين على المتاريس خلف جيشهم الوطني، وهي مهمة تتولاها -عادة -الحكومةُ الوطنية وتجارُ البلاد الوطنيون الشرفاء، لا أثرياء الحرب ومشعلوها.
انتبهوا أيها السادة.. الغزو الإرهابي يزداد شراسة، والضمان الوحيد لمواجهته والحفاظ على سورية دولة، وأرضاً، ومؤسسات، مرهون بتأمين مستلزمات صمود جماهير الشعب السوري، وهذه مسؤولية الحكومة بالدرجة الأولى، وتنفيذ هذه المهمة على الوجه المطلوب يتطلب تدخلاً فاعلاً في تحديد الأسعار لا تحريرها.. فقد لمسنا قبل الأزمة آثار التحرير، وما أدى إليه من آلام اكتوت بها جماهيرنا الشعبية.
إن استمرار الصمود يتطلب حالياً مجموعة من الإجراءات، نؤكد أبرزها:
1- أن يتأكد وزير الاقتصاد من تذليل جميع الصعوبات أمام التجار الوطنيين بهدف تأمين المستوردات الضرورية، وليتابع شخصياً تحفيز مؤسسات التجارة الحكومية لتأمين المواد الأساسية لمعيشة المواطن.
2- أن يطمئن وزير الصناعة على سرعة نقل معمل من المعامل إلى منطقة أكثر أماناً لإعادة الإنتاج، وليسأل الحرفيين وأصحاب المشاغل الصغيرة عن احتياجاتهم لاستمرار الإنتاج.
3- أن يتفقد حاكم المصرف المركزي ومسؤولوه آثار تدخلاتهم شخصياً في الأسواق.
4- وليسهر وزير التموين والتجارة الداخلية وكوادر وزارته ومراقبوه في المخابز وأسواق الهال لمنع التلاعب بمواصفات الرغيف، وسعره، ولجم أي احتكار لمادة أساسية، وأي رفع غير مبرر لأسعارها.
5- وليراقب السيد رئيس الوزراء تدخل الوزراء المباشر في العملية الاقتصادية والتموينية، كي يصبح التدخل أكثر فاعلية، وملبياً لمتطلبات الصمود، وليُعْمِل سيف القانون في وجه أي فاسد أو مستغل لأزمة الوطن ومعاناة الشعب. تدخّلوا أكثر فأكثر أيها السادة، وابعثوا الأمل في نفوس جماهير الشعب السوري الواقفة أبداً في مواجهة الغزو الإرهابي.