زيادة سعر السماد هل جاءت دعماً للمزارع والفلاح؟!
يعتبر وجود كمية مناسبة من الآزوت في التربة من الأركان الأساسية لخصوبتها، إذ يشكل عنصراً غذائياً رئيسياً إضافة إلى أنه يمكّن النبات من الحصول على بعض العناصر الغذائية الأخرى مثل الفوسفور والكالسيوم، كما أن الآزوت من العناصر الغذائية الضرورية لنمو النبات وهو أكثرها صعوبة من جهة التحكم في كميته وتنظيم إمداد النبات به.. ومن هنا تنبثق ضرورة المحافظة على آزوت التربة بإضافة بقايا المحاصيل والأسمدة العضوية والأسمدة الآزوتية مع الإشارة إلى أن الاعتقاد السائد (بعدم إضافة الأسمدة الآزوتية أثناء النمو بحجة أن المحصول قد تلقى تسميداً عضوياً كافياً) هو اعتقاد خاطئ، ذلك أن السماد العضوي يحسّن الصفات الفيزيائية للتربة ويمدها بعناصر غذائية أخرى تساعد المحصول على الاستجابة لإمدادات أكبر من الآزوت غير العضوي.
موجة الغلاء العام
من الواضح أن أسعار السماد قد ركبت موجة الغلاء التي تشهدها البلاد على مدى سنوات الأزمة، وتسود العشوائية والفوضى وعدم المراقبة من قبل الجهات المعنية للأسعار، تارة بحجة تذبذب صرف الدولار، وتارة أخرى بحجة عدم وجود عناصر كافية، وهذا ما لا يقبله المنطق في كلا الحالتين. وتأتي الزيادة الأخيرة على أسعار السماد كغيرها من الزيادات على المواد التي تجتاح أسواقنا المحلية، فمعظم المواد الأولية والأساسية نالت نصيبها من الغلاء والارتفاع الجنوني للأسعار ربطه معظم التجار كما ذكرنا بعدم استقرار سعر صرف الدولار وتراوحه بين ارتفاع وانخفاض.
ويأتي الطلب المتزايد على السماد لأن النباتات الزراعية في هذه الفترة بحاجة إليه، خصوصاً القمح والشعير والقطن وغيرها من المحاصيل الزراعية.
زيادات غير معقولة
وفي مراجعة سريعة للزيادات التي طرأت على أسعار السماد منذ عام 2013 نجد أن سعر الطن الواحد من مادة السوبر مثلاً قد بلغ 31 ألف ليرة سورية، ثم تضاعف في العام نفسه إلى 62.500 ليرة سورية بنسبة زيادة مقدارها 101%، ثم ارتفع سعره في 28 آب 2014 إلى 69 ألف ليرة سورية.. إلى أن وصلنا إلى الزيادة الأخيرة هذا العام، إذ بلغ سعر الطن الواحد نحو 79.600 ليرة سورية أي بنسبة 27%، في حين كان سعر الطن من السماد صنف يوريا في عام 2013 نحو 30 ألف ليرة سورية، ثم ارتفع إلى 45 ألف ليرة سورية، ثم ارتفع مؤخراً إلى 53.800 ليرة سورية، أي ان الزيادة كانت بحدود 75%. وبالنظر إلى هذا نجد أن نسبة الزيادات تراوحت في كل فقرة بين 20% و101%.
كميات السماد متوفرة ولكن
الزائر لمستودعات المصارف الزراعية سيفاجأ بالكميات الكبيرة التي خُزّنت العام المنصرم في هذه المستودعات، فقد وصلت نسبة التخزين إلى الذروة.. طبعاً كان التخزين على أشدّه في المحافظات الآمنة بسبب عدم القدرة على إيصال المادة إلى بعض المحافظات الساخنة، وعلى الرغم من سهولة الإجراءات التي يطلبها المصرف الزراعي والتي تنحصر في الحصول على ورقة من الوحدات الإرشادية والجمعيات بالمساحات المزروعة، إلا أن الكثير من الفلاحين والمزارعين لم يتمكنوا من الحصول على الكميات المطلوبة من السماد بسبب ارتفاع أسعاره، وهذا ما اثّر على المساحات المزروعة، وبالتالي انعكس سلباً على الخضار التي باتت بعض أصنافها حلماً للكثير من المواطنين.
قضية فساد برسم المعنيين
ومادمنا نتحدث عن السماد وعن المصارف الزراعية، فإن من واجبنا أن نعيد إلى الذاكرة قضية نقص الأوزان في عدد من أكياس السماد في أحد المصارف الزراعية بمحافظة طرطوس.. وللإنصاف فإن مدير المصرف الزراعي في صافيتا، وهو الذي حدث الخلل في الأوزان لديه، كان قد خاطب مديرية فرع طرطوس بالكتاب رقم 1686/670 تاريخ 2/9/،2013 يخطره فيه بأن معظم حمولة الشاحنات الثلاث ذوات الأرقام (828813-838815- 101046) التي أفرغت حمولتها في المصرف كانت أكياسها ممزقة وينقص وزنها الاعتباري بنحو 10 كغ في الكيس الواحد، مع التنبيه إلى أن إدارة المصرف الزراعي المذكور كانت قد اتصلت بمؤسسة الضمان والتجارة الخارجية بهذا الخصوص، وكان الرد بأن السماد غير مؤمن عليه من أرض المستودعات وليسوا مسؤولين عنه.
لم ينته الأمر هنا، إذ تكررت عمليات النقص في الأوزان إضافة إلى الأكياس الممزقة، وهذا ما جاء في كتاب مدير المصرف الزراعي بصافيتا أيضاً، والموجّه إلى مديرية فرع طرطوس برقم 2395 /939 تاريخ 10/ 12/ 2013 والمتضمن تأكيد الكتاب السابق بخصوص ورود سماد 46% يوريا ممزقة وناقصة الأوزان وعدد هذه الأكياس نحو 130 كيساً، إضافة إلى وجود عدد من الأكياس المتسخة (كنسة) وعددها 85 كيساً! وبحساب بسيط فإن هناك أكثر من طنين من السماد ذهبت إلى مكان آخر إن لم نقل بأنها بيعت في مكان آخر، فهل تمت محاسبة المسؤولين عن هذا النقص؟!. سؤال برسم مدير فرع طرطوس؟!
طبعاً لم يتحرك فرع طرطوس لكل هذه الكتب وما تلاها لأسباب أعتقد أنها واضحة جداً، ولم يقم بأي إجراء حتى تاريخ 16 كانون الأول 2014 وهو تاريخ الكتاب الموجه من السيد محافظ طرطوس الأستاذ صفوان أبو سعدى، فُشكلت لجنة نتمنى أن تكون وضعت يدها على مكامن الخلل الموجودة في المستودعات الموجودة في طرطوس.
نحن نؤكّد ضرورة التوسّع في التحقيقات من قبل المديرية العامة للمصرف الزراعي التعاوني وباهتمام السيد المدير العام، لأن استمرار عمل فرع المصرف الزراعي بطرطوس بهذه العقلية والذهنية لا يبشر بالخير!
آراء ومواقف
السيد إبراهيم زيدان، المدير العام للمصرف الزراعي التعاوني، خلال الاتصال معه، أوضح أنه سوف يتم زيادة الربح على أسعار المحاصيل الزراعية بنسبة 25% وفق دراسة ما يحتاجه الدونم أو الهكتار، ومن هنا لن يتأثر الفلاح بزيادة سعر السماد من خلال هذه الزيادة المذكورة، وسوف يعوّضه ذلك الربح عن زيادة سعر السماد.. وأضاف بأن سبب هذه الزيادة ناتج عن زيادة التكاليف من محروقات ونقل وغيرها، موضحاً أن المصرف الزراعي لم يقم برفع الأسعار، بل إنّ المؤسسة العامة للأسمدة هي التي طالبت برفع الأسعار قياساً بتكاليف الإنتاج، وهناك لجنة مشكلة بقرار من السيد وزير الزراعة هي التي اقترحت الزيادة، وهي مشكلة من مندوبين عن الجهات المعنية بهذا الخصوص وهي التي حدّدت الزيادة وفق تكاليف إنتاج السماد.
في اتصالنا مع المهندس حسان حسن، عضو المكتب التنفيذي في محافظة طرطوس لشؤون الزراعة، للاستيضاح حول رأيه بهذا الخصوص، أكد أن هناك نحو 24 ألف طن في المنطقة الحرة، وأنه يتم الآن دراسة الطريقة التي من الممكن إيصال هذه الكميات إلى بقية المحافظات، وأوضح أنه خلال الأسبوع المنصرم تم عقد اجتماع موسع في مبنى المحافظة بطرطوس بحضور مدير المصرف الزراعي بطرطوس ومدير الزراعة ومدير المنطقة الحرة ومدير المحروقات والأمين المركزي في الجمارك وجميع المعنيين بهذه العملية، وبحثت المعوقات والسبل الكفيلة بإيصال السماد إلى الإخوة المزارعين.. وحول رأيه بزيادة الأسعار أكد أنه مع تخفيض مستلزمات الإنتاج للإخوة المزارعين، ولكن على ما يبدو فإنّ للازمة آثارها التي طالت كل شيء.
السيد أبو مهنا يرى أن ارتفاع سعر السماد في هذه المرحلة هو أمر متوقع، نظراً لزيادة تكلفة الإنتاج، ويتمنى من فرع المصرف الزراعي بطرطوس الذي يزوّد بقية المصارف في المناطق بمادة السماد، أن تكون تلك الأكياس مطابقة للمواصفات، سواء من حيث النوعية أو الوزن.
السيد علي شعبان يرى أن هذه الزيادة جاءت في وقت غير مناسب، فالفلاح والمزارع لم يعودا قادرين على تحمّل المزيد، فهل يسعى المعنيون لتصبح أكثر الأراضي بوراً؟ وتساءل عن أسعار المنتجات الزراعية التي من الواجب أن تتناسب مع هذه الزيادة وغيرها من مستلزمات العملية الزراعية.
السيد محمود عيسى تمنى مراقبة الصيدليات الزراعية التي تتلاعب بالأسعار، سواء فيما يتعلق بالسماد المحلّي أو السماد المستورد، فهناك عدد غير محدود من مصادر هذه المواد والتي لا يعلم المزارع والفلاح شيئاً عن فعاليتها. وأضاف أن الفلاح لم يعد قادراً على تحمّل المزيد.. فالنسبة التي تنوي الحكومة زيادتها على المحاصيل غير كافية وغير عادلة، ولكن نعلم أن الدولة تمر بأزمة، نأمل جميعاً الخروج منها قريباً.
أخيراً: الزيادة أقرّت وما نتمناه ويتمناه الإخوة المزارعون أن تكون نسب الربح لمنتجاتهم الزراعية تتوافق ومتطلبات إنتاجهم الزراعي، مادامت الوزارة رفعت أسعار السماد انطلاقاً من زيادة متطلبات إنتاج السماد..