سوى شامي وعينيكٍ
مِنْ بَرْقمة حمام (الكريم) الذي كان يستوطن الطُّوَقَ فوق أبواب البيوت في قريتنا، كنت أحارُ، كيف ينطقها واضحة هكذا: ي ا ك ري م..
من كركرة ضحكة طفل، تنفرطُ على أصابع أمه وهي تداعبه، أحار.. ومن سرِّ شوكةٍ، تُنجبُ في السنة زهرة وحيدة، تعيش يوماً واحداً، أحار..
وبإمكان أصغر وأبسط ما في هذا الكون، من موجودات ومخلوقات وظواهر، أن يخطُبَ حيرتي، لسبب فيه أو أكثر!
***
للحيرة، مثلما لسواها من حِسَان الكلام، ملامحها الخارجية ودواخلها، ومضانُّها التي لا تمنح نفسها بسهولة. فحيرة عالم النبات، في استجلاء خواص وسائله، وصحة طرائق عمله، ونسبة توفُّقه، في التوصل إلى بذار، ذي خصائص تفوق خصائص سابقه.. أو حيرة الطبيب الكيميائي، في إيجاد دواء جديد، أرخص ثمناً، وأقل ضرراً، وأكثر نجوعاً، في معالجة مرضٍ ما قديم وخطير.
تختلف عن حيرة الفاسد المُفسِد، في تعزيز أساليب عمله وتطويرها، نحو استغلالٍ أكبرَ لمصادر نهبه، وبحث أحثَّ عن مصادر أُخرى.. وحيرة المجرم في استيراد، آخر ما توصَّل إليه العلم واستنباطه، وأبشع ما أحرزه التفكير الإجرامي، في محو آثار الجرائم وإخفائها.
***
إن لم تخنّي الذاكرة، وعلى الأغلب الأعم أنها تخونني، أول عهدي ب (الحيرة) كان في (حيرة عدم التوقع) التي واجهتني، عندما سألتني إحداهنَّ – في بواكير طفولتي – عمَّن أُحب أكثر، أُمي أم أبي؟
بعد ذلك تتالت، تفاقمت، تراكبت و(روكبت) حيْرَاتي. من (حيرة ذهول الحواس) في طراوة مراهقتي، لدى أول طيران للقلب، في فضاء العشق. إثر التقائنا – وحدنا – صاحبة الثوب الأزرق وأنا، في حاكورة القرية: حاكورة التين والبراءة، وقرية الطين والبلد الأمين.. إلى (حيرة اكتشاف الأبعاد) البعد الآخر للإنسان، للغة، وللوطن. أثناء دراستي في (موسكو) وليس انتهاء ب(الحيرة غير المسبوقة) إزاء ما نابنا وينوبنا، من مسلسل (التمثيل بالإنسان) على مسرح الجغرافية السورية.
المسلسل الموقَّع بإمضاء الإمبريالية الصهيونية، نصاً وإخراجاً، ومدموغاً بخاتم الرجعية العربية، تمويلاً وتمويهاً وتسويقاً. وندفع نحن السوريين ثمن نتائجه وعواقبه، مِنْ دماء أبنائنا وعمار ديارنا وفرص تقدمنا!
***
تراها مُغرمة بي، أو مُسلّطة عليَّ، قد كُلّفت متابعتي.. حتى تلاحقني، كيفما توجهت، وتكمن لي، على جميع السبل والطرقات؟!
يا لها من خلاسية، أخذت من مُقتفي الأثر دقَّة تتبعهم.. ومن الثعالب شدَّة مكرهم.. ومن الفاتنات فتك نعومتهنَّ! وها هي ذي اليوم تنتظرني، بلا ميعاد، على بوابة الإهداء. لتَشْكُلَ بيني وبينكِ، فأحارُ يا أفديكِ ما أهديكِ؟
سوسنةً، تُسافرُ في ليلِ شعركِ، تبلِّغه عنّي، شوق الأصابع؟
فلةً، تُساكن غمّازةً، لعبتها أن تخطف الأبصار والأفكار، صوب أرنبة أنفكِ، تارةً، وتارةً صوب عصفورة ثغركِ؟
يا أيتها التي تُضمرين الود للأقربين والأبعدين، لا تعرفين الحقد حتى على الحاقدين.. تُغدقين الرحمة على الآخرين وتقسين على نفسك. يا مَنْ تُحاكين (سوريَّتَنا) في أجمل ما فيكِ – في عيدٍ كهذا… – ماذا سأهديكِ؟
بلى.. سأهديكِ وفيَّ العهدِ:
تطويبَ شغافِ القلبِ
وَقْفَاً مِلكَ عينيكِ
ومُنتجعاً لبوحهما
وأن أحيا لمجدهما.. وللوطنِ
وهل وطني
سوى شامي وعينيكِ؟!