ويليقُ ببعضها الكعبَ العالي.. الحربُ!
أريد أن أصالحَ ذاتي مع (الآن). الأنثى التي اغتالتْ قلبها الحربُ فقدتْ هويتها. والأب استهلكتهُ قصاصاتُ شِعره والرصاصة المرّة، خذلها.. طفلتَه الأرملة. عليّ اختباره المشي بالكعب العالي..! أعبرُ الحيّ المنكوب، أغادر كبرياء العزلة بغرفتي، أهجرُ القتلى. للجثث المتنقلة عطورٌ تشي بها، ومفاتيحُ صدئة تهتز في الجيوب. أنجو من صممِ الحكاية، من ثرثرةٍ، خيوطها من فوهاتِ المداخن الباردةِ هاربةٌ!
جليلُ الحزنِ في كبدي متحجرٌ يردعني. ألقيه حجرةً حجرةً في الدرب الطويل. أمشي وأمشي. لن يتبع الأثر أحدٌ. كثُرتْ الحجارة المتهاوية من قلوب العابرين المفتوقة. تطاردني، تفعلُ في خطواتِ الرجالِ خلفي. ألم أخبركَ عن امرأة مخملية كفّت البحث عنكَ في القاماتِ السمراء والعيون المبطنة؟ قميصكَ الأزرقُ -أبي- يقترب من دربيَ المفجوع، أعبره دونَ اكتراث وأنتشل من عروته حريتي. أزرِّرُ بها انشطاري، تصدعَ ذاكرتي وأمشي، أمشي بكعبيَ العالي.
إلى الوراء تشدني الطريق، تغني لحنَ الأرصفة المرتبة! معاطفُ الفرو، بأكياسٍ ملونةٍ، تعلقُ أكمامها. لا تتجولُ الحربُ هنا! لا يقطعون الرؤوس! المقاصلُ سحلوها للضواحي البعيدة، هناكَ حيث يقدم كل منا في المساء عنقاً. لا غرباء يقلعُ لأجلهم المشمش والرّمان. وتحرق لدربهم البيادر. لا ضفاف تُردم لتقتل صيحاتِ مرورهم.لا حافلات، جميعها تقلُّ الجنود للجبهاتِ البعيدة. هنا العربات ثلاثيةُ الأبعاد، عساها تحشر ضخام الأجساد المسطحة. صالوناتُ (الحرملك) للتجميل تتزاحمُ جواري. عليّ إعلامكنّ أشباح حارتنا أنَّ زرقة الهالات تذوي، ويُنفخُ هنا ما ابتلعته أضلاع الوجع من أجسادكنّ. قد يفوتكنّ أن تخرجنَ وتصرخنَ بحراسكن كما تفعل نساءٌ يبتَعْنَ أنوثةً لا تُصنع، ليرضينَ شهوةً لا تشبع. وجوههن المتورمة تسوءني، حباتُ (السيلكون) المحشوة، حدقاتُ أزواجهن تحملقُ بالعابرات، تؤسفني الثروة المهدورة في الداخل!
ربما لن أتعرفَ وإياكنّ عليها معلقةً برؤوسهنّ المصبوغة، جدائلَنا المقصوصةَ المنذورةَ لغيبوبةِ الغيابْ. لحربٍ ابتلعتْ الغُيّاب.
لا تغربُ الشمسُ في الشوارع الفاخرة. ومثلها الحارات المترقبة لا تغفو. أعودُ وحواجز العسكر تعلقُ شحوبها في السواتر تنتظر العائدين. يغلقون البوابات ويفتحونه على مصراعيه الرصاصَ. الخارجةُ عن مستوطناتِ الموتِ أنا، يسوقني الخوفُ – حافية – تحت الشرفات المتهالكة، وينوء بي إلى يتمٍ قديمٍ جديد. وفي ضفافِ الطرقاتِ الآمنة يرخي جذوره كعبيَ الخشبيَ وينمو. لا مكانَ للظلالِ الوارفة هنا، لاحاجة. يلزمُ – سيداتِ المدينة – لنضرة جلودهن، لفناءِ صالاتِ (الموضة)، لمواقفِ انتظار المرافقين! لصفقاتٍ تحت فيئها يعقدونها رجالهم.. معطرونَ أنيقون، لا تستدعيهم يوماً لساحاتها الحربُ!