عن احتمالات الحياة في مدينة الياسمين
لطالما فكرت باحتمالات الموت الحالية في هذه المدينة الجميلة، ولكن حين شرعت بالكتابة لم أستطع أن أعنون ما أكتب باحتمالات الموت، فدمشق لا يليق بها إلا الحياة والحياة والحياة.
أكثر من عشر سنوات قضيتها هنا، حيث تشكل وعيي وشخصيتي وانتمائي، وجدت الحياة هنا، وأصبحت كل مدن العالم بما فيها مدينتي وقريتي التي ترعرعت بها مجرد أماكن ثانوية.
ولعل هذا شعور معظم من سكنوا دمشق وعاشوا تفاصيل حياتهم بها، حتى أن زيارة واحدة لدمشق كافية لأن تغلها في نفسك لدرجة يصعب وصفها، فهي مدينة ليست ككل المدن، مفعمة دائماً بالحب، بالثقافة والفنون، بالبساطة والتعقيد في آن واحد، مفعمة بجمال الماضي وألق الحاضر، هكذا عهدتها (سورية صغيرة) ولعل حالات النزوح التي فرضتها الحرب قد كرست هذه الفكرة، فلا يخلو شارع من شوارعها من أبناء المحافظات كافة بمختلف انتماءاتهم.
ولكن ما الذي يحدث منذ بداية الأحداث في سورية حتى الآن؟!
إن مشهداً غريباً عن الحياة السورية عامة والدمشقية خاصة بات يتكرر بشكل دائم، مشهد من الرعب والخوف، خوف من موت متربص هنا وهناك، وفي استعراض صغير لحالات الموت وجدنا تآمراً بين كل أشكال الموت ومسبباته على الدمشقيين ومن سكنوا دمشق.
قصـص مأساوية نسمعها كل يوم، يعيشها كل بيت، ولو أنني قرأت قصتين أو ثلاث منها في رواية واحـــــــدة لشعرت بالمبالغة، فكيف مع من يعيشها!!
والآن أزمة قديمة جديدة تمر بها دمشق بسلسلة من الاعتداءات بقذائف الهاون والقذائف الصاروخية التي لا تميز بين مدني أو عسكري، بين صغير وكبير، قذائف يقصد بها مطلقوها إثارة الرعب وتحقيق أكبر أذى ممكن لسكان العاصمة الذين لطالما صمدوا واتخذوا قراراً بمتابعة الحياة على الرغم من كل المصاعب اليومية التي يعانونها، وهناك وعلى أطراف العاصمة أيضاً معاناة من نوع آخر لمدنيين لم يخيروا عندما اقتحم المسلحون مناطقهم منذ بداية الحرب واتخذوهم دروعاً بشرية، فغدا المدنيون هنا وهناك يعانون بطش مسلحين مرتهنين للإمبريالية والرجعية العربية.
ولعل قرار الهدنة الأخير في مجلس الأمن، بغض النظر عما يمكن أن يحويه من مصالح للفصائل المسلحة الممولة من الدول الداعمة للإرهاب في سورية، شكّل بصيص أمل لكثير من المدنيين داخل دمشق بعد أيام طويلة من الرعب المستمر، وللمدنيين داخل الغوطة لعلها تضمن خروجهم بشكل آمن يحفظ حياتهم وحياة أطفالهم.
لقد أثبتت سنوات الحرب الطويلة على سورية حقيقة مطلقة: أن لا أحد قادر على منعنا من الحياة، ولا أحد قادر على قتل دمشق، فقد يتراجع إيقاع حياتها، قد تخف حركة شوارعها، ولكنها سرعان ما تستعيد نشاطها، سرعان ما تعود لتنضح حباً وعطفاً على ساكنيها الذين لم ترحمهم رحى الحرب العسكرية والاقتصادية، ولكنهم ما زالوا صامدين على أمل الأيام الجميلة القادمة.