علاجات أزموية أم تمريرات طفيلية تأزيمية؟

 مرت السنون السبع وسط صمود وصبر نادرَين، مقابل أقسى وأصعب كارثة معقدة تمر على شعب من الشعوب، ولم يكن هذا غريباً من أهل سورية، أهلها المتجذرين بأرضهم وتاريخهم وجذورهم التي انبثقت عنها أغلب حضارات الكون ودياناته، هذا الشعب المسالم المحب الإنساني العقائدي الذي كان بصبره وتحمّله عنواناً ساند ودعم المؤسسة العسكرية والعقلاء ممن أداروها بما يحمي البلد وبما يحافظ على الأهداف العامة، ومنها وحدة الأرض والدم والشرف. وهذا الكلام يدل على أن كثيراً من القرارات كانت تؤخذ ضمن إطار فرضه الواقع الأزموي الخطير المتشكل من كل أدوات السوء والانحطاط والاستعمار بشكل إرهابي متكامل: إرهاب عسكري، إرهاب إعلامي مضلل، إرهاب اقتصادي عبر استثمار أدوات تتكامل مع عقوبات اقتصادية ظالمة وحصار هدفه قتل البشر قبل الحجر. وكان الهدف الأهم هو الإسقاط الاقتصادي وتطبيق المالتوسية الاستعمارية لاقتلاع جذور شعب لا يهاب الأعاصير والطوفان، وقد تأقلم هذا الشعب وتكيّف مع أقسى ظروف النزوح والهجرة ومعاناة الحياة، في ظل وسطي أجور 26 ألف ليرة، بينما وسطي تكاليف المعيشة لأسرة من خمسة أشخاص يبلغ 300 ألف ليرة، بالحد الأدنى، فكان التقشف العقلاني المتكافل مع تقشف فرضته القرارات الاقتصادية وتضخم معقول عبر اللعب بسعر الصرف بشكل حدد قدرات الشراء، فخفّف من الطلب في ظل عرض قليل.

ورغم هذه العقلية إلا أنه كان هناك سوء إدارة وما زال، بسعر الصرف وبالسياسات النقدية والمالية التي مرّرت كثيراً من الإجراءات والضرائب عجزت عنها سياسات ما قبل الأزمة، وضرائب ورسوماً تعجز عنها الأسرة في هذا الوقت. وكذلك مُرِّر موضوع السوق وتهرّبت وزارة حماية المستهلك من ضبطه أو من فرض السعر الإداري المتدحرج، على الرغم من النشاط الملحوظ لوزيرها الذي قد تكون جهوده أثمرت في زيادة العرض، ولكنه لم يفلح لا في ضبط الأسعار، ولا في مواجهة الاحتكار، وألحقت مؤسسات التدخل بالسوق بدلاً من أن تكون قاطرة ومحرّكاً ودافعاً بما يحقق التوجهات التي يجب تحقيقها تبعاً للغرض الذي أنشئت لأجله هذه الوزارة. ورغم الكثير من السلبيات وانتهازية طبقات طفيلية لا منتمية، وتضاعف الفساد المسرطن، فقد تحقق الهدف الأكبر وهو الحفاظ على البلد ومؤسساته، التي كان هدف الأعداء الأكبر هو تدميرها وجعل سورية أفغانستان أخرى. وبعد استعادة الغوطة والإنجاز الوطني الكبير الذي حققته عقلانية المؤسسات السورية، وبمعزل عن موضوع الملفات الإنسانية الوطنية ومنها المخطوفون، أصبحت الإدارة الأزموية في طور آخر وأهداف جديدة، ومنها إعادة الانطلاق وإعادة الإعمار وتجهيز القوانين المتناسبة مع مرحلة الإحاطة بالانعكاسات الاجتماعية الخطيرة الرهيبة (فقر، بطالة، نزوح، فقدان، تشرّد، أمّية، ثقافات جديدة لا وطنية، ثقافة عنف، دعارة، مخدرات وغيرها) وبالتالي أصبحت غربلة القرارات الماضية وتصفية القادم ضرورة وطنية وأصبحت عرقلة الانتهازيين والطفيليين واجباً وطنياً، ولا يمكن، مثلاً، فهم هبوب تيار شراء السيارات أو تصنيعها للاستهلاك المحلي وسط فوضى ومحاصصات، في ظل الحاجة إلى سلع أهم، وفي ظل الحاجة إلى العملة الصعبة لتنفيذ مشاريع إنتاجية ولاستيراد المواد الأولية والأدوات والآلات، وسط سؤال عودة الأمن الغذائي والدوائي، أليس الأجدر إعادة النازحين وقفل ملفات تتاجر بها دول مجاورة؟

وفي ظل هذه الانعكاسات نرى تمريراً لفكرة استيراد عمالة بالعملات الصعبة! ألا يتذكر من يفكر بهذا القرار، أم أنه لن يتذكر؟ لأنه من المؤكد لم يرسل أولاده إلى جبهات القتال. بلد ضحى نصف شبابه بدمائهم، وبأجزاء من أجسادهم، والآخر ينتظر لحماية الوطن، في ظل بطالة وعطالة ملايين الشباب في ساحة القتال، ثم يأتي من يريد أن نجلب عمالة من الخارج ونرميهم برذيلة البطالة!؟ أيّ فكر هذا؟ وأي جدوى اقتصادية واجتماعية؟!

وتجري محاولة لتمرير قروض لتكريس التضخم، في ظل نوع من التعامي أو عدم فهم أن سياسات الحكومة التي استثمرت لمرحلة تقشفية تضخمية ضرورية هي التي ستكون محركاً لتحسين سعر الصرف وتقويض التضخم بقرارات مثلما رفعت بقرارات، أم أن هذه الأفكار مغيبة، وما جرى هو تمرير لإملاءات ولن يكون هناك تكريم لمن وقف مع الوطن وأحاط بالمؤسسة العسكرية وصمد لأجلها. وهنا تعود فكرة السندات الحكومية التي فشل تمريرها سابقاً لعدم الضرورة وعدم وضوح الفكرة وعدم الحاجة، تعود الآن بقوة، وكأن مهمة حاكم مصرف سورية تمرير ما لا يمرر، ويقولون: (عجز الموازنة)! أيّ عجزٍ وأي موازنة وكلنا يعلم أن الموازنة خطة لا تنفذ بمجملها، وكلنا يسمع سياسات تقشف وتخفيف هدر ووو… وهذا التمرير لا يبرَّر إلا إذا فُرض فرضاً أسوة بغيره. وهناك من يريد أن يشبهنا بالدول الفاشلة متناسياً كيف تجاوزنا الأزمة وأن تمرير بعض الأخطاء لن يمر بسهولة، لأن وقت الحساب على الأبواب، أم ستعود قصة الجمعيات الخيرية ومؤسسات المجتمع المدني التي تكاثرت سرطانياً لغايات أبعد ما تكون لأغلبها عن الخدمات الإنسانية أو الاجتماعية: تبييض وجوه، تبييض أموال، نهب وسلب وتنظيمات لتمرير تخريب آني ولاحق قبل أن تضبط جزئياً بانتظار ضبط أهم وأخطر ملف. ولا يفهم من كلامنا أننا ضد أن يكون لدينا مجتمع مدني فاعل، ولكننا ضد أن يكون مجتمع مدني مرتبطاً بسفارات وأموال إرهاب.

تمريرات وتمريرات ولكن جاء الوقت للحساب والعلاج وقراءة لكل الإجراءات الأزموية لعلاج الثغرات وإجراء ما يخص المرحلة الجديدة، بما يحمي البلد وسكانه ويزيد من اللحمة ويعيد الروح بكل أنواعها، وكل هذا لن يكون من دون عودة القوة والروحية للمؤسسات وفرض القانون على الجميع لتحقيق المواطنة وتفعيل كل الإمكانات في كل القطاعات: العام، والخاص، والتشاركي، والأهلي.

العدد 1140 - 22/01/2025