قامات تطول وقامات…!

أطول دولار في العالم يسرح ويمرح في سورية، وأصبح المواطن يعرف بشكل واضح دون تلقيم أو تلقين من أحد كيف ينمو، أو من يقدّم له الفيتامينات ويسهر على راحته ويشرف على صحته، ويطالب بإلحاح أن يدخل (موسوعة غينيس)، وهذا سيحقق طموحاته ويخفف عنه عبء الغلاء الذي ينهش لحمه ويقطَّع شرايين المحبة.. ويقول عنه في العلن والسر: ما أجملك أيها الأخضر! فأنت تسرح وتمرح كالخروف في الربيع.. وأنك تزداد طولاً وعرضاً وينتفخ كرشك، ويزداد عدد أصدقائك من الفاسدين، ومن الذين يعملون في الخفاء ويتاجرون باسمك، ومن المدَّعين أنهم يسهرون على راحتك ويضاعفون رفاهيتك عشرات المرات..

هذه مقدمة ساخرة ورسالة موقعة ومؤرّخة من  مصابين بمرض المتابعة، ومن قبل الطبقة المالكة لملايين ومليارات الدولارات، ومن الذين لن يجدوا الخيوط لرفو جيوبهم المثقوبة، ويسدّون أذانهم قسراً بفلّين من الصناعة الوطنية.. وكيف أن الأزمة المستعصية تنمو وتشكل الطبقات الفاسدة وما في شاكلتها من تجار الأزمات وحيتان المال (الحرام)، فهم يشبهون تماماً الطحالب، التي تنمو وتكبر وتخلّف في ظل (عيش كريم)، ودلال ومال وجاه وسلطان، وسرعان ما تنبت رياشهم  في المستنقعات الآسنة، وما يزال هؤلاء يبثّون أفكارهم وينشرون (حسناتهم جهراً أمام الحاسدين) في سكون الفضاء وروائحه المتفاقمة.

ومن غير المتابعين لمسيرة ارتفاع الدولار اليومية والإجحاف بحق الكادحين، قال: نحن اليوم نهتم برغيف الخبز فقط .. وننام مطمئنين حينما يؤكد المسؤولون في نشرات الأخبار، أن الطحين مؤمَّن للأفران وكذلك المازوت والخميرة، لكنهم من جهة ثانية يسمحون للصوص من تجار المفرّق والجملة، وعيونهم من أصحاب البسطات في الأسواق وعلى الأرصفة، بمضاعفة أسعار بضاعتهم وسلعهم خمس مرات، حتى ولو كانت (ستوكات) ومن الدرجة العاشرة.

لقد أصيبت حياتنا بمرض سأطلق عليه (مرض عكس التوقعات وضد التطورات)، مغاير لأبسط الأحلام في اليقظة والمنام. وبدلاً من جمع شتاتها وما ضاع منها، نلاحظ أن الأوهام حلَّت مكان الأحلام الوردية الدافئة فوضعتها في الثلاجة، وأصبحت تجول هائمة على وجوهها في متاهات الصحاري والأمصار.

أصبح المواطن اليوم يعيش في (زمن السادية الداعشية) ممزقاً جسداً وروحاً، مضطرباً نفسياً، قلقاً دائخاً .. هذا الوحش القادم من أقطاب الدنيا يلتهم القلوب ويقطّع لحوم البشر ويحرقهم وهم أحياء. وهذه من صفات الجبناء أو مما يطلق عليهم (المازوخيون الأشرار). وكلمة (مازوخية) اشتقَّت من اسم الروائي النمساوي ليوبولد مازوخ. اما التلذذ بالتعذيب وما سمي (بالسادية)، فقد ظهر هذا المصطلح عام 1789، واشتقَّ من اسم الروائي الفرنسي الماركيز ساد. ووصفهم فرويد قبل أن يكتشفهم أو يعرفهم بقوله (إن السادية والمازوخية، اضطراب عقلي ناجم عن صدمات نفسية أو تجارب جنسية مبكرة).

إن الدولار الأميركي واليورو الأوربي والريال النفطي، هي التي صنَّعت هذا النوع مما يسمى (بشراً)، وهي التي بنت القواعد ل (سياسة قطع الرؤوس وتخريب الأوطان والنفوس)، وهي التي رفعت أسهم التعذيب الجسدي لأنظمة القمع في سوق الإرهاب الشرق أوسطي، بإدارة أميركية – أوربية – إسرائيلية تعود لتاريخ طويل منذ عشرات السنين.

لقد ابتكرت أساليب وطرائق متوحشة وهمجية وحيوانية في القتل وفي مقدمتها (قطع الرؤوس). وكان (قطع الرأس) بمثابة شرف لأولئك الذين ينتمون للطبقات الأرستقراطية، من منطلق أن  الفارس لا تطبق عليه عقوبة الإعدام بل يعاقب بقطع رأسه، بدلاً من الوسائل التقليدية للإعدام … وهكذا ينتظر المواطنون اليوم قبل الغد، صناعة دواء يزيل الشحوم من السماسرة ولصوص السوق السوداء ومن سارقي جيوب المواطنين وفقراء الوطن، وحقنهم بمصل يجدد نفسه كلما هفت على زيادة النهب ومحاولة ابتلاع جهد الكادحين..!

العدد 1140 - 22/01/2025