ما هدية الحكومة في عيد الحب؟
في الأيام الأخيرة الماضية، لفتت نظري ظاهرتين مدهشتين توجس منهما قلبي، أولهما أن أنيسة روحنا وضوء عيوننا التي هي الكهرباء بقيت لمدة ليلتين كاملتين تنوّر بيوتنا دون انقطاع، مما جعلنا نحتار ماذا سنفعل بها، بعد أن قمنا بشحن كل ما يمكن شحنه، وغسلنا كل ما نريد غسله، بل كوينا ثيابنا وشاهدنا التلفزيون أيضاً، وقد توقعنا أن يكون الموظف المسؤول عن قطعها في إجازة أو هرب من الدوام فدعونا له بالتوفيق، أما الظاهرة الأخرى العسيرة على التفسير أني صرت أصل الى موقف السرافيس فأجد قافلة منها بانتظاري، أختار ما يحلو منها في عيني، ثم أصعد وأركب فيه بكل فخر واعتزاز، وكأني سلطانة زماني، ليس هذا فقط، بل ننتظر بعض الوقت ليكتمل العدد، حينئذ أنظر من نافذة السرفيس إلى الشارع وأهتف: وين الملايين… الشعب المعتر وين؟ إذ إننا قبل أسابيع كنا نحتاج الى الواسطة أو القوة العضلية لركوب سرفيس ! والحقيقة أني بطبعي المتشائم كنت سأعتبر هاتين الظاهرتين من علامات الساعة، لولا أن رأيت الرايات الحمراء ترفرف في شوارع البلد وعلى واجهات المحلات وفي البسطات، فتذكرت أن هناك شيئاً اسمه (عيد الحب)، وقلت لنفسي إن الموضوع له علاقة بالحب إذاً، ولا يستبعد أن تكون الحكومة عازمة على مغازلتنا بهذه الطريقة، إذ إنها بدأت تتبع هذه السياسة مؤخراً، بل أنا أجزم أنها واقعة في حب الشعب لكنها تخجل من الاعتراف بذلك علانية، مع أنها قد صرحت بذلك بشكل غير مباشر مؤخراً. هل تذكرون يوم الضربة الثلاثية؟ أي ضربة (الخبز والمازوت والغاز)، وقتذاك وقعت في زلة لسان كشفت فيها عن عواطفها، حين ذكرت أنها رفعت أسعار هذه المواد بناء على رغبة الشعب… يعني رغباتنا صارت أوامر، وهذا لا يحدث إلا في حالة الغرام، وربما ما كانت لتقدم على هذا الاعتراف الخطير إلا لأنها تظن أن لن يبقى أحد على قيد الحياة بعد تلك الزيادة الصاعقة، وفي حال بقي أحد فهو الحبيب الحقيقي المخلص الذي يستحق تعويض المعيشة، لاحظوا إنه سمي كذلك لأنه سيعطى فقط لمن سيستمر في العيش. إذاً فها قد ظهر كل شيء وبان، الحكومة تحبنا حقاً، وكانت قبل ذلك توهمنا أن حبها (أخوي بريء) فتراها تردد كل يوم: أخي المواطن بادر إلى تسديد ما عليك من ذمم، أخي المواطن: لا تهدر المياه.. لا تهدر الكهرباء.. أما اليوم فصار عليها أن تقول صراحة ودون خجل – بما أن غرضها شريف: حبيبي المواطن سدد ما عليك من ضرائب وإلا سنوافيك بضربة ثانية قاضية.. حبيبي المواطن: أعطنا ما في جيوبك وإلا فلا أنت حبيبي ولا ربينا سوا… وهي تعرف أننا لن نزعل منها مهما اخترعت من أساليب ضرب وضرائب، لأن ضرب الحبيب زبيب، بل إنها مثل كل العشاق الغيورين تبيح لنفسها أن تتنصت على مكالماتنا وتحركاتنا، لا لشيء ولكن ليطمئن قلبها بأننا لا نفكر بأحد غيرها، بل هي من غيرتها وحرصها علينا قد اخترعت لنا شيئاً عظيماً اسمه (حماية المستهلك) لأن المواطن الذي مازال مستهلكاً ولم يصبح بعد في عداد المتهالك، يلزمه شيء لحمايته من طيشه الاستهلاكي، وكيف ذلك؟ إنها ببساطة تقوم برفع أسعار المواد غير الضرورية، كالمحروقات و أجور المواصلات، لكي لا يفكر هذا المواطن الطائش من أمثالنا بالخروج من بيته كل يوم للتنزه أو ارتياد الأسواق، معرضاً نفسه لقذائف (العواذل) الذين يحسدوننا على ما ننعم به من حب في أحضان حكومتنا الحنون. أقسم أني لا أستطيع العثور على تفسير آخر لوجود (حماية المستهلك). وبعد هذا كله، هل سيساوركم الشك بأن الحكومة الحبابة سوف تفاجئنا بهدية مدهشة بمناسبة عيد الحب، خصوصاً أن عندها مثل هذه (الحركات)؟ ألا تذكرون الهدية التي أتحفتنا بها ليلة عيد الأضحى الفائت؟ والآن ما عليكم سوى الانتظار، قد تتأخر الهدية ليوم أو يومين، لكنها آتية لا ريب فيها، وستأتينا ملفوفة بشريط أحمر، لأن لقمة المواطن ومشاعر المواطن خط أحمر، كما صرحت بذلك مراراً.