في حب الوطن
في مأثورنا الروحي، ينهض قول تاريخي مشهور عنوانه:
(حب الوطن من الإيمان).
كيف يُقرأ هذا المأثور قراءة سياسية؟
كيف يكون فضيلة سياسية، بعد أن أُنتج في عصر له شرطه الاجتماعي والاقتصادي والسياسي، في ظرف تاريخي محدد، وقد أُخذ به كفضيلة دينية، وأخلاقية؟
بل كيف نقرأ هذا المأثور ليكون: فضيلة سياسية؟
وهنا، نوائم بين مأثور تاريخي، أُنتج في ظرف كانت فيه قيم الفروسية والنبل تقوم على التضحية والكرم والفداء والبطولة، وكانت فيه قيم (الشرف هو النابض الذي يحرك قيم الحكومة الملكية).
كيف تكون قيم الفروسية في الدولة الجمهورية، دولة الحق والقانون، وكيف تكون الفضيلة؟
هنا، سنحاول قراءة هذا المأثور قراءة معاصرة، قراءة سياسية تاريخية.
حب الوطن، هنا فضيلة، وفضيلة سياسية.
لأن حب الوطن هو حب المساواة، وهنا نتحول أو ننتقل من فضيلة خلقية دينية فطرية مطلقة، إلى فضيلة سياسية، والفضيلة السياسية هي محرّك القيم والمبادئ الجمهورية.
وكان مونتسكيو أول من أطلق اسم (الفضيلة السياسية) على حب الوطن والمساواة! (إذ يقرن مونتسكيو مفهوم حب الوطن بمفهوم المساواة، المساواة في الحقوق، والمساواة بالحقوق أمام القانون) ومنه المساواة في القانون.
لذلك (كان حب الوطن حباً للمساواة، وهي في المعنى نفسه، والمبنى ذاته (المساواة السياسية) وهذا المعنى الذي أريده للقول المأثور (حب الوطن من الإيمان).
والمساواة السياسية هنا هي (مقدمة لازمة وشرط ضروري للمساواة الاجتماعية)، (فمن دون قانون عام يطبقه الجميع، ويسود على الجميع، ويدافع عنه الجميع، ويحقق المساواة بين المواطنين/ت أمام القانون)، ليس هناك وطن، ولا وجود لمواطنين، بل أرض يعيش عليها (لمّة سكان) يتنازعون عليها، كائنات طبيعية متساوية في حيثيتها الطبيعية).
في النظام الجمهوري، بقيمه التي تعلي المساواة السياسية والعدل والحرية واحترام حقوق الإنسان، في دولة الحق والقانون والمؤسسات، حيث يتساوى البشر كمواطنين أمام القانون، وفي القانون، ينتظم البشر في الاجتماع السياسي، وتقرَّر وتصان حقوقهم وحرياتهم السياسية والمدنية، فيصبحون مواطنين، لا رعايا، ويكون لهم وطن بدلاً من أرض لجوء أو منفى.