حكاية الصهريج وسخانة السندويش
قال لنا أحدهم: هل سمعتم بالخبر؟ لقد تعرض صهريج محمل بكمية كبيرة من المازوت لحادث مؤسف في طريق عام… أما المؤسف أكثر في الخبر أن تعرفوا ماذا حصل بعد الحادث… وما الذي سيحصل؟ سألناه، فتابع: السائق ذهب الى رحمة ربه، أما الناس الذين ما زالوا ينتظرون الرحمة، فقد حمل كل منهم ما تيسر له من (بيدونات) فارغة، واتجه نحو الصهريج المنكوب لتعبئتها بالمازوت!
هنا تعددت التعليقات، بعضهم أكد أنه لم يبق في قلوب الناس رحمة، وآخرون برروا بأن البرد مثل الجوع كافر… والبعض فهم المسألة بطريقة أكثر عمقاً فقال:
أليست حكاية الصهريج المنكوب هي نفسها حكاية وطننا؟ انظروا إلى ما حصل فور أن لاحت بوادر الضعف في بنيان الدولة، ألم يهرع الآلاف فوراً لملء (بيدوناتهم) وخزاناتهم وخزائنهم؟ ألم نستغرب كلنا من أين خرجت هذه الجموع مثل جراد جائع مخترعة أساليب قذرة لملء جيوبها؟ من كان يتخيل أن يصبح الخطف وسيلة رزق؟ وكيف صارت اللصوصية مهنة من لا مهنة له، حتى غدت أسواق المسروقات من المناظر المألوفة في طرقاتنا؟ لصوص سرقوا و(كبّروا) على ما سرقوه ليحل لهم، والآخر سرق دون أن يجد وقتاً للتكبير! صار الشريف غريباً بين هؤلاء، لدرجة أن أحدهم يأتي إليك ويخاطبك بكل وقاحة: (أليس عندك سيارة؟ لماذا لا تقف على الطريق وتقنص ما يعجبك من السيارات العابرة؟ من سيحاسبك؟) وليت الأمر وقف عند هؤلاء، فاللص الرسمي يبقى أهون من اللصوص المختبئين في متاجرهم يثرون من تجويع الناس، أو من لصوص المكاتب الذين كانوا موظفين عاديين وشعروا أن من حقهم أن يجلسوا في مكان أكثر دسماً يجعلهم شركاء في نهب خزينة الدولة. ولا داعي لنحكي عمن تاجر بأزمة المياه أو الكهرباء أو البيوت، وكله بشطارة وعبقرية فذة، فمن ترك بيته واستأجر مأوى لا يشبه البيوت إلا بالاسم يدرك معنى لصوص الأزمات، أما مرتزقة بعض الحواجز الواسعة الطيف، فحدث عنهم ولو كان في الحديث حرج، ألم تصبح ملزماً برفع يدك بتحية الإجلال والتعظيم قبل العبور من أمام أزعر حارتك الذي كنت تأنف الكلام معه؟ ومن كان يتحدث عن شيء اسمه قاع المجتمع يلاحظ أن المجتمع عمل (شقلبة) بهلوانية، فغدا القاع هو القمة! لقد صار للفساد مملكة طويلة عريضة لها أمراؤها وحراسها ومخبروها ومطربوها.
من أجل ألا يصبح موضوعنا كله نكد بنكد – خصوصاً أن كل ما ذكرناه أصبح معروفاً للجميع، فنحن سنحاول النظر الى النصف الملآن من الكأس: فالأزمة أثبتت عبقرية المواطن السوري، انظر مثلاً كيف اخترع طريقة للتخلص من كراكيبه القديمة وثيابه التي بطلت موضتها وجرائده التي تعج بتصريحات المسؤولين المتفائلة، محولاً إياها الى مصدر جديد للطاقة، وقريباً سيتمكن من تسيير السيارات بقوة (التنهيد والتنفيخ)! بل انظر كيف أثبتت العائلة قوة النظام فيها، فمن أجل حل مشكلة الاستحمام في ظل تقنين الكهرباء الذي لا يرحم، صار على ربة المنزل أن تتبع أسلوب (سادكوب) بأن تسجل بالدور لأولادها من أجل أن يتمكنوا من الاستحمام، إذ لا يمكن أن تسمح الكهرباء بأن يستحم أكثر من فرد في اليوم، بل إذا كان هذا الفرد من ذوي الشعر الطويل فعليه أن يقسط حمامه على مرحلتين! هذا طبعاً إذا توافرت المياه، و إلا اكتفى بالمسح أو التيمم.
وفي الختام ليس أمامنا إلا أن نضحك قليلاً من مآسينا: في كتاب قديم قرأت معلومة طريفة عن قطّاع الطرق الذين كانوا يسطون على قوافل التجار في الطرق الصحراوية البعيدة، إذ إن هؤلاء اللصوص نهبوا في إحدى الغزوات بضاعة لتاجر ثري وكان من ضمن البضاعة كمية كبيرة من اللؤلؤ الثمين، اللصوص ظنوها رزاً، فقاموا بطبخها وأبدوا انزعاجهم من سوء نوعية هذا الرز القاسي، هذه الحادثة تذكرتها عندما سمعت بقصة مشابهة وحقيقية. إحدى السيدات وقعت على بعض الغنائم المنزلية، ومن ضمن ما غنمت سخانة سندويش كهربائية، لكن السندويش لم يسخن فيها، أخذتها الى التصليح فقال لها الرجل: لكن هذه ليست سخانة سندويش، إنها ماسحة (سكانر)!