هل يخطئ الآباء في تربية أولادهم؟!

جاء في المادة الثانية والأربعين من الدستور السوري: (لكل مواطن الحق في أن يعرب عن رأيه بحرية وعلانية بالقول والكتابة أو بوسائل التعبير كافة).. ما المقصود بحرية التعبير؟!! ولماذا لا يستطيع أبناؤنا التحدث بحرية ووضوح؟!!

إن حرية التعبير هي وسيلة تواصل بين الإنسان والآخرين، وأي إعاقة لهذه الحرية وهذا التعبير، يجعل الإنسان في عزلة عن الفهم، فيصبح كمن قام ببناء جدار كبير من الحواجز تمنعه من التواصل والتفاعل الصحيح بينه وبين الحياة والآخرين، بالتالي تتهدم عرى العلاقات الإنسانية، وتتفكك الروابط الاجتماعية، وتقع المشاكل الأسرية، الأمر الذي يؤدي إلى تراجع مظاهر المدنية، ويتراجع رقي الإنسانية، عندئذ تبدأ الصراعات والحروب والأزمات، وليس ذلك إلا بسبب غياب الحرية وعلى رأسها حرية التعبير…

لهذا نجد المفكرين وقادة المجتمع يطالبون بصوت مرتفع بأهمية احترام المرأة وتقدير شخصيتها، وتحرير الطفل من تعسف أبويه أو أقاربه، والتلميذ من قسوة معلمه، والعامل من استغلال ربّ عمله، والرعية من ظلم الراعي، ويدعون إلى ضرورة تحرير شخصية الإنسان اجتماعياً، كي ينمو بطريقة تسمح له بأن يكون مواطناً مسؤولاً في مجتمعه، ولذلك بدؤوا بوضع البرامج التي تهدف إلى خلق جيل قادر على التعبير عن رأيه والدفاع عن حقوقه دون انتهاك لخصوصية الآخر وحريته.

وقد توضح القصة الآتية دور الأسرة في تنشئة أولادها وصقل شخصياتهم: أُدخل ذات يوم طفلان (صبي وبنت) إلى مدرسة للمعوقين، على أنهما (بكم وصمّ)، وبعد إجراء الاختبارات اللازمة لهم اكتشف المختصون أنهما ليسا صمّاً ولا بكماً، بل يستطيعان الكلام والسمع، وإنما مشكلتهما تكمن في التربية الصارمة التي تعرضا لها من والدهم الذي لا يسمح لهما بأدنى حركة في حضوره، وينهرهما دائماً بصوت مرتفع ويمنعهما من الكلام، أما الأم فاستسلمت لهذا فلم يعد هناك حاجة إلى الكلام داخل البيت الذي لم يخرجوا منه بمفردهم على الإطلاق.

إن تربية الطفل بشكل إيجابي لا تكون بقمعه وتوجيه العبارات السلبية له، فقد أظهرت إحدى الدراسات أن الطفل يتلقى خلال الثمانية عشر عاماً الأولى من حياته ( 149400) رسالة سلبية مقابل (600) رسالة إيجابية فقط، وبناء على ذلك أكد قادة المجتمع أن السبب الرئيسي للمشاكل الأسرية المتعلقة بالأبناء، يعود إلى وضع القيود على حرية التعبير، التي تسهم بوضع حجر الأساس للتواصل السيئ بين الآباء والأبناء. لقد أجمع العديد من الباحثين والتربويين، على أن الطفل يولد بدرجة ذكاء عالية جداً، تتجلى بنموه وتأقلمه السريع مع الكلام والمشي، واكتشاف البيئة المحيطة به من خلال التعرف عليها وتلمس محتوياتها، وطرح الأسئلة والاستفسار عن كيفية مجيئه إلى العالم، والسؤال عن مسببات الأشياء وفوائدها، إلا أن إعراض الأهل عن تقديم الإجابات المناسبة، وعدم الصبر على الحوار مع الأولاد واستفساراتهم، إضافة إلى أن الرسائل السلبية التي يوجهها الآباء إلى أولادهم، تحدّ من ذكائهم.

إذاً ما هو السبيل لتنشئة جيل قادر على التعبير عن نفسه بحرية وصدق؟!!

 تفتقر مجتمعاتنا لوجود أنشطة تعمل على تنمية المواهب والمهارات الحياتية، لذلك يعمل قادة المجتمع السوري على إيجاد أماكن كالمراكز المجتمعية التي تهدف إلى بناء جسر للتواصل بين الأسرة والمدرسة والبيئة المحلية للطفل، وذلك بتصميم برامج تعمل على توعية الآباء والمعلمين والطّفل في الوقت نفسه، وذلك من خلال تعريفهم على الأسس السليمة للتربية الإيجابية، وتمليكهم أدوات الحوار والإصغاء للطرف الآخر، وتدريبهم على قبول الاختلاف والتنوع.

وقد بدأ فريق من المهتمين بتطبيق مثل هذا النموذج في مركز صديق الطفل بمنطقة باب شرقي، مستفيدين من الخطط التي وضعها المذهب السلوكي في تعويد الطفل على الانضباط الذاتي مع مراعاة الجانب الذي أغفلته المدرسة السلوكية وهو احترام الاحتياجات العاطفية للطفل، لذلك بنيت الأنشطة بطريقة يصبح الطفل واليافع بعد ممارستها قادراً على:

* بناء علاقة صحيحة بينه وبين الآخرين.

* تنمية الإحساس لديه بقيمته كشخص له دور في بيئته.

* تنمية المهارات التي تساعده على القيام باختيارات واعية.

* تمليكه أدوات البحث والاستطلاع.

* البحث عن وسائل وأساليب تساعده ليكون مفيداً للآخرين.

وكل ذلك من خلال تحليل المهارات الأربع الأساسية الآتية:

1. زرع المفهوم الإيجابي للهوية.

2. التعليم الإيجابي للتنافس الاجتماعي.

3. الالتزام بالتعلم وتنمية مهارات التعلم الذاتي.

4. زرع قيم إيجابية تتناسب مع مجتمعنا السوري وتكون حجر الأساس لاتخاذ القرارات والقيام بالأعمال التي تمكن الطفل واليافع من أخذ دوره مستقبلاً في مجتمعه.

إن من مسؤوليتنا آباء وقادة مجتمع عاملين في حقل التربية تقوم على تهيئة أطفالنا ليلعبوا دوراً إيجابيا في الحياة، وهذا يعني الوصول إلى عواطفهم ونفسيتهم، وإلى عقولهم وأجسادهم في الوقت نفسه، وهذا يتطلب منا أن نوسع أفق تربيتنا، وألا نقتصر على التفكير بطرق وأساليب قاصرة على مجرد التحكم في سلوك الطفل في اللحظة الراهنة، بل أن نقدم له حبّنا دون تحفظ، وأن ندرّبه ليكون قادراً على ضبط ذاته والعمل بطريقة منظمة، ونقدم له الحماية الجسدية والعاطفية، ونعطيه المثل والقدوة للتحكم بغضبه.

إن تربية الأطفال رسالة سامية موجهة لكل فرد في المجتمع، لأن أي سلوك أو رد فعل خاطئ يصدر عن طفل هو نتيجة لتداعيات الأشخاص المحيطين به، التي قد تظهر نتائجها في فترة المراهقة أو الشباب.

العدد 1140 - 22/01/2025