الكفاءات السورية.. الطاقات المستنزفة بين التهجير الطوعي والقسري (3من3)

حجم التحويلات المالية

تشكل التحويلات المالية التي يرسلها المهاجرون الإيجابية الأكثر فاعلية بالنسبة للبلدان العربية، وخاصة البلدان التي لها عمالة ذات كفاءة فنية مهاجرة في دول الخليج العربي أو الدول المجاورة، فقد بلغت التحويلات وعائدات المصريين في الخارج نحو أربعة مليارات دولار، كذلك استفادت سورية من تحويلات العمالة في دول الخليج خلال العقود الثلاثة الماضية، إذ بلغ متوسط تحويلاتها نحو 400 مليون دولار خلال الفترة 1979 – ،1989 ونحو500 مليون دولار خلال الفترة 1990-2000 عدا التحويلات العينية (السلع) والمبالغ النقدية التي يتم إدخالها إلى البلد بطرق غير رسمية (لا يصرح عنها) وهي مبالغ تفوق بكثير حجم المبالغ التي يتم إدخالها بصورة قانونية.

 وتساهم هذه التحويلات في سد عجز ميزان المدفوعات وتوفير العملات الصعبة اللازمة لدعم عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية.

 

الآثار الايجابية للبلد

المستقبل للكفاءات

 بالنسبة للدول المستقبلة فإنه من الصعوبة إنتاج أشخاص مدربين تدريباً عالياً، وإن استيراد هؤلاء من الدول النامية أقل تكلفة من توسيع الجامعات، وبهذه الهجرة فإن تحقيق الأهداف الوطنية للدولة المستقبلة أسهل وأقل تكلفة، على عكس الدول المصدّرة للهجرة.

 توفير الأموال الطائلة اللازمة من أجل بناء المؤسسات التعليمية اللازمة لاستيعاب وتأهيل الكوادر اللازمة لعملية التنمية في حال عدم إمكانية استقطاب هذه الكوادر.

 تحقيق الهدف الإمبريالي الاستعماري الذي تسعى من أجله الدول الإمبريالية كافة، وهو عدم تطور المنطقة العربية بشكل عام ومنطقتنا بشكل خاص، ليسهل التحكم بها ومن أجل استمرارية الارتباط بالغرب. وأخيراً يمكننا القول:إن الموارد البشرية المدربة وذات الكفاءة العالية هي الثروة الكبرى لأي بلد من البلدان، فهي أثمن من كل الثروات الطبيعية، وهي الأساس لبناء التنمية الشاملة بشكل عام والاقتصادية والاجتماعية بشكل خاص.

فهناك الكثير من الدول التي أصبحت من الدول المتقدمة اقتصادياً باعتمادها على الكوادر المدربة والمؤهلة بالرغم من فقرها بالثروات الطبيعية، وهناك الكثير من الدول الغنية بثرواتها الطبيعية الفقيرة بكوادرها، والتي مازالت تعد من الدول الفقيرة في الخدمات والمستوى المعيشي للمواطنين.

وبعد دراستنا السابقة وجدنا أن هجرة هذه الكفاءات والعقول تعتبر خسارة كبيرة للدول المصدّرة، وهي حاجز كبير تساعد في بنائه الدول الإمبريالية من أجل استمرار التخلف، وإن أية تحويلات مالية ناجمة عن هجرة هؤلاء تكاد تكون معدومة الفائدة مقارنة بالخسائر الناجمة عنها، لذا نرى ضرورياً أن تقوم الدولة باتخاذ الإجراءات الكفيلة بالتقليل من هجرة كفاءاتها عن طريق القيام بالإصلاحات المناسبة والمتوافقة مع إمكاناتها، سواء كانت إدارية أو اقتصادية أو سياسية أوفي مجال التربية والتعليم، ومحاولة تقديم الإغراءات المالية والمعنوية من أجل جذب المهاجرين واستقرارهم في بلدهم الأصلي، وإن لم نستطع استقطابهم فهذا لا يمنع من الاستفادة قدر الإمكان من إمكاناتهم سواء في مكان إقامتهم أو في البلد المرسل، وبالتالي فإننا في بلادنا لا نعاني نقصاً في الكفاءات كما يبرر، وإنما لدينا فائض في الكفاءات وسوء في الاستخدام والاستغلال، وقد أثبتت الكفاءات السورية في داخل سورية قدرتها على الفهم والإبداع وتقبل كل ما هو جديد على سورية، بعد الاعتماد على الكفاءات السورية وحدها بعد فترات بسيطة من إدخال البنوك الخاصة وشركات الاتصالات والوكالات العالمية، فكانت الكفاءات السورية خير قائد ومسيّر لهذه المؤسسات، وهذا يدل على العقلية والذهنية المتميزة التي يتحلى بها المواطن السوري حينما تكون التنشئة سليمة والاستغلال صحيحاً. وإن ظروف الأزمة القاسية والكبيرة وما نجم عنها من دمار ودماء تقتضي النظر بعين وطنية إلى هؤلاء، ومحاولة جذبهم إعادة البناء والإعمار، وكذلك تقتضي وقوف هؤلاء مع بلادهم وأهلهم في ظل ظروف صعبة من كل النواحي الاقتصادية والاجتماعية والإنسانية التي ما لبث أن تشدق بها الغرب المؤمن بإنسانية مواطنيه فقط، بينما النظر بدونية إلى الآخرين، وأي تقاعس عن تقديم الظروف المواتية لجذب أي فاعل وطني بنّاء، أو للوقوف مع سورية وشعبها فيما يعاني من قبل هؤلاء، يندرج في خانة اللا انتماء أو اللا إحساس الوطني الإنساني.

العدد 1140 - 22/01/2025