المكتب السياسي للحزب الشيوعي السوري الموحد: عدوان تركي مشبوه وتدخّل إسرائيلي فاضح وسلوك أمريكي مناور

التخلص من مصّاصي دماء السوريين  معالجة القضايا والمشكلات المعيشية.. الانفتاح على القوى الوطنية  إدانة كلّ خرق للسيادة السورية

 

 عقد المكتب السياسي للحزب الشيوعي السوري الموحد اجتماعه الدوري يوم السبت 1 آب 2015 وبحث بعض القضايا السياسية والتنظيمية، واستمع إلى تقرير حول آخر المستجدات قدمه الرفيق حنين نمر، الأمين العام للحزب.. وبعد المناقشة وإدخال بعض التعديلات أقر المكتب السياسي التقرير، وهذا نصه:

ماتزال الحروب والفتن والحرائق بمختلف أشكالها تنتقل من بلد عربي إلى آخر، حاملة معها الموت والدمار والتهجير والمآسي الإنسانية لملايين المواطنين، من تونس إلى ليبيا فمصر واليمن والعراق وسورية.. هذه المآسي يسببها الخطر المتعاظم للتنظيمات الإرهابية التي نشأت أصلاً في إطار المخطط الإمبريالي الصهيوني الذي يستخدم أدوات متغيرة تتجدد مع كل مرحلة من مراحل عمله الدؤوب لإحكام الهيمنة على الشرق الأوسط واستمرار نهبه للثروات العربية والاستفراد بقيادة العالم.

وكنّا قد أظهرنا في رسالتنا السياسية السابقة كيف أن الأزمة السورية التي دخلت عامها الخامس والتي تشكل نموذجاً للمأساة العربية الشاملة، دخلت طوراً جديداً يتسم باحتدام الصراع الميداني بين الدولة الوطنية السورية، وقوى الإرهاب المتعدد التنظيمات، وكذلك باحتدام الصراع السياسي بين سورية وحلفائها الإقليميين والدوليين من جهة، ومن جهة أخرى الغرب وأدواته الإقليمية والعربية والمعارضة السورية الخارجية المرتبطة به، والتي تستقوي بالدعم الخارجي وبقوى الإرهاب الإجرامي الذي يضرب في سورية بشكل أساسي،  ذلك الصراع حول المسألة السورية، وضرورة بذل المساعي الدولية لإيجاد حل سياسي، وقد تكثفت هذه المساعي في الآونة الأخيرة تحت ضغط قطاعات واسعة من الرأي العام الدولي التي أدركت مؤخراً المخاطر المتزايدة على السلمَين الإقليمي والدولي من استمرارها وتفاقمها.

إن الصراع الميداني مازال إلى اليوم على أشدّه، وتزايد الدور الإسرائيلي وضوحاً في بعض المفاصل (ومن ذلك قصف الطيران الإسرائيلي مؤخراً مواقع سورية وفلسطينية)، وقد أحرز الجيش العربي السوري نجاحات هامة جداً في محافظة الحسكة، حيث تمكّن من طرد الإرهابيين منها بالتعاون مع قوات الحماية الكردية والقوى الوطنية في المحافظة، وبمشاركة من المواطنين العرب والأكراد والآشور. وتصمد حلب صموداً بطولياً بوجه الحصار اللا إنساني الجائر في الماء والكهرباء، بل ويسجل الجيش السوري تقدماً عسكرياً في العديد من المواقع، كما تقف جماهير دير الزور وراء الجيش متحدية الجوع والعطش والحصار العسكري ولا تستكين.

وفشلت كما ذكرنا سابقاً محاولات إنشاء شريط إرهابي ممتد من السويداء إلى أطراف درعا فسفوح جبل الشيخ، وأُفشلت خطة احتلال درعا، ويجري تقدم كبير على جبهة طريق دمشق- بيروت متمثلاً بالزبداني، فضلاً عن استعادة جرود القلمون.

أما على الصعيد السياسي، فلم تتراجع المواجهة حدةً بين طرفي الصراع، وقد كثرت الزيارات المتبادلة بين المسؤولين في الدول العظمى مثل روسيا والولايات المتحدة حول الأزمة السورية، وطرحت العديد من المبادرات أهمها المبادرة الروسية بخصوص تشكيل حلف معاد للإرهاب، ولم تبدِ الولايات المتحدة والسعودية وتركيا حيالها موقفاً رسمياً حتى الآن، ونشرت في الصحافة أخبار عن لقاءات سورية – سعودية بوساطة روسية، لكن المصادر السورية الرسمية لم تؤكد ولم تنفِ هذه التسريبات الصحفية.. وتشكلت لجان فنية روسية أمريكية لدراسة سبل تطبيق الحل السياسي على الأرض، ولأن هذه النشاطات تعددت والتصريحات حول عدم وجود أي وسيلة أخرى غير الحل السياسي قد ازدادت، فقد لمع في الأفق بريق من التفاؤل حول إمكانية عقد جنيف 3 أو موسكو 3.

وترقّب المجتمع الدولي نتائج مهمة المبعوث الدولي دي مستورا الذي يجوب العالم منذ أكثر من ستة أشهر سعياً إلى إيجاد حل للمأزق السياسي للأزمة، إلى أن عرض هذا المبعوث تقريره أمام مجلس الأمن بتاريخ 29/7/2015 وأعلن فيه (عدم وجود توافق في الآراء على بيان أو عقد مفاوضات رسمية جديدة بين أطراف الأزمة السورية). كما أعلن أن العديد من الفرقاء السوريين أبلغوه عدم الدعوة إلى جنيف 3 لأن الأوضاع لم تنضج بعد. ولخّص دي مستورا الخلافات الموجودة بأن المطلوب، حسب رأي البعض، هو انتقال منظّم للحكم على مراحل لمنع تكرار تجربتي العراق وليبيا.. أما الحكومة السورية فترى أن هذا الانتقال غير دستوري، وهي تضع مكافحة الإرهاب أولوية أولى، أما الائتلافيون فيرفضون الحوار مع الحكومة ويصرّون على تشكيل حكومة انتقالية أولاً.

وبسبب عمق الخلاف، فقد اقترح دي مستورا تعميق شكل مشاورات جنيف، أي دعوة الأطراف السورية إلى محادثات تتناول مواضيع محددة في شكل مواز أو متزامن عبر مجموعات عمل تبحث مختلف جوانب الانتقال السياسي بإشراف لجنة قيادية. وأشار إلى أربعة ملفات أساسية:

1- الأمن للجميع، والمساعدات الطبية، والإفراج عن المعتقلين.

2- المسائل السياسية ومن بينها الانتخابات.

3-  الطابع العسكري ومكافحة الإرهاب واحتمال وقف إطلاق النار.

4- إعادة إعمار البلاد.

إن الاستنتاج الأولي هو أن الخلاف عميق جداً، إذ لم يتمكن دي مستورا من التعمق بجذوره، واكتفى بتقديم اقتراحات شكلية فقط حول أسلوب جديد للمفاوضات يقوم على إجراء حوار جماعي متواز ومتزامن أيضاً وحول كل المواضيع تقريباً.

ولكن ليس من الواضح بعد ما في جعبة دي مستورا، فهل هناك اتفاقات مسبقة بين الأطراف الدولية ستعرض على المتحاورين ليتم التصديق عليها، أم أن البدء سيكون من نقطة الصفر؟ هذا ما ستكشف عنه الأيام القادمة، وقد تتوضح بعض المعلومات من خلال مناقشة تقرير دي مستورا بنصه الكامل، التي سيتمخض عنها بيان رئاسي عن مجلس الأمن خلال الأيام القليلة القادمة.

وفي جميع الأحوال فإننا نعتبر أن الطرف الأمريكي ومعه أتباعه الإقليميون والداخليون هم المسؤولون عن عدم الوصول إلى نتيجة حتى الآن، بسبب عدم تطبيقهم لقرارات مجلس الأمن الدولي القاضية بمكافحة الإرهاب ومنع التسلل إلى الأراضي السورية وقطع الإمدادات والتمويل عن الإرهابيين، الذي مازال مستمراً حتى الآن منذ أكثر من ثلاث سنوات دون توقف، وبذلك يتحمل الطرف الأمريكي وأتباعه، وخاصة تركيا أردوغان المسؤولية كاملة عن هدر دم الألوف المؤلفة من السوريين، وتهجير الملايين إلى الداخل والخارج.

إننا مع أي مسعى سلمي لحل الأزمة السورية، ومع أي طريقة توصل إليه، ولكنه الحل الذي يرتكز على مكافحة الإرهاب التكفيري ووقف العدوان على بلادنا، وهذا حق بديهي نصّت عليه كل القوانين الدولية.

الدور التركي

ذكر بيان للبيت الأبيض أن الرئيس أوباما وأردوغان اتفقا في اتصال هاتفي بينهما على العمل معاً لوضح حد لتدفق المقاتلين الأجانب إلى سورية، وكان في ذلك الاتفاق ما يشير إلى بعض الدلائل على تحسّن فرص الحل السياسي.. ولم تمض سوى أيام على ذلك، وخاصة بعد حادث انفجار سيارة مفخخة عائدة للتنظيم الشبابي لحزب الشعوب الديمقراطي التركي في مدينة سيروج، حتى أعلن أردوغان عن اتفاقه مع الولايات المتحدة على إطلاق يد الجيش التركي في ضرب قواعد حزب العمال الكردستاني في الأراضي السورية والسماح للطائرات الأمريكية باستخدام قاعدة إنجرليك، والمساهمة مع تركيا في إطار التحالف الدولي لمحاربة داعش. ولم نفاجأ هنا بتبدل الموقف الأمريكي، فقد حذرنا سابقاً ومازلنا نحذر من المواقف الأمريكية المناورة والبهلوانية والتي تسعى في النهاية إلى فرض الحلول المتوافقة مع مخططاتها في المنطقة.

وقد أكدت العديد من المصادر أن حادث تفجير السيارة هو أمر مصطنع من قبل أردوغان للحصول على موافقة أمريكية على إقامة ما يسمى منطقة آمنة على الحدود التركية السورية، تساعده في شن حرب ثلاثية الأبعاد، أي ضد الأكراد وسورية وداعش أيضاً، رغم الصعوبات العديدة التي تعترض حرباً معقدة من هذا النوع.

والمثير للانتباه هنا أن أمريكا التي دأبت على رفض مثل هذا الاقتراح التركي في الماضي، أبدت الآن استعداداً لتفهّمه ولدراسته.. ولا نستبعد هنا لجوء أردوغان إلى هذه المناورة بدافع انتخابي داخلي، فقد أظهرت الانتخابات مؤخراً تراجع شعبية حزبه وفقدانه الأغلبية المطلقة، وعدم قدرته على تشكيل حكومة ائتلافية، لذلك يحاول اليوم استمالة القوميين من جانب، وتقوية مواقع حزبه من جانب آخر تمهيداً لانتخابات مبكرة، وهناك شكوك حقيقية تجاه الأهداف التركية الكامنة وراء الحملة المعادية للأكراد، ووجود احتمالات جدية لضرب سورية، التي لم تعرف من أردوغان سوى وجهه القبيح المتعطش للدماء، وقد أشارت إلى مثل ذلك مذكرة وزارة الخارجية السورية الموجهة إلى الأمم المتحدة، الأمر الذي يلقي على عاتق سورية شعباً وحكومة وجيشاً مسؤولية ردع كل عمل استفزازي قد تقوم به تركيا ضد سورية.

إننا ندين العدوان التركي المباشر وخرقه سيادة الأراضي السورية أياً كانت ذريعته وأهدافه.

أيها الرفاق!

هكذا يبدو المشهد السياسي المتعلق بالأزمة السورية، وهو يدل على أن المعركة طويلة ومعقدة على كل الجبهات العسكرية والسياسية والاقتصادية، وواضح أن سورية بقوة جيشها وتلاحم شعبها وبالقناعة الدولية المتزايدة حول عدالة قضيتها، قد صمدت نحو خمس سنوات، وماتزال قادرة على الصمود وعلى الوصول إلى استعادة كل شبر دنّسته عصابات الإرهاب والإجرام القادمة إلينا من مختلف أصقاع الأرض.. ولكن الاستمرار في الصمود والانتقال إلى مرحلة تحرير الأرض وطرد الغزاة وإحلال السلام يتطلب تلاحماً أقوى بين الشعب والحكومة، واستعادة الثقة بينهما.. وبالتأكيد فإن شعبنا أظهر تفهّماً كبيراً للواقع الاقتصادي والاجتماعي السيئ، ولمسؤولية الدول الاستعمارية وعقوباتها وحصارها لشعبنا، ولولا هذا التفهم وهذه القناعة الوطنية الراسخة لديه، لكان الأمر مختلفاً.. كما يقدّر شعبنا أن الإصلاحات الجذرية الشاملة في ميدان الاقتصاد وحاجات المجتمع لا يمكن تصوّرها دون إحلال السلام العادل في ربوع سورية، ولكن هذا الواقع نفسه يتطلب إصلاحات فورية وإدارية استثنائية تتجاوب مع رغبة الشعب، وهي تتمثل في التخلص من مصّاصي دماء الشعب من الفاسدين الذين تغلغلوا في جميع مفاصل الأنشطة الاقتصادية والمالية والإدارية، وزادوا ويزيدون معاناة جماهير الشعب السوري، وتتطلب أيضاً العمل على توسيع قاعدة الحكم، والانفتاح المتزايد على القوى الوطنية في البلاد، وبذل الجهود الحكومية لتوفير فرص عمل للشباب خاصة، فقد ازدادت معدلات هجرتهم بشكل يدعو إلى القلق.

العدد 1140 - 22/01/2025