«المرأة و الصنم» هل تسمح لي بفنجان قهوة معك يا أستاذ؟

فاجأتني في المقهى البسيط الذي أرتاده غالباً بمفردي  قبل أن أفتح فمي كانت قد طلبت فنجانين من القهوة سكر زيادة، لتحلو الجلسة معي كما قالت وارتمت على المقعد المقابل لي.

قالت: أنت المسخرة الذي تكتب المسخرات؟.

لم أشعر بالإهانة أبداً، لأني مهان بكثرة سابقاً، من عدة جهات عليا ودنيا، بعدد الشعرات التي طارت من رأسي، حتى صارت صلعتي بلا إكساء على الهيكل

فقط رسمتُ تعابير على وجهي تعني الاستغراب من كلامها قالت عفواً قصدي أنت الكاتب الساخر الذي تكتب المواضيع الساخرة، كما تقولون

ــ من أنت؟

ـــ لا يهم من أنا الآن، لكن السؤال الذي أريد منك الإجابة عنه، هو أنه في العادة يكون الرجل هو من يلاحق المرأة ليتعرف عليها، أما أنا فألاحقك منذ فترة لأتعرف عليك، هل تصرفي هذا يعد  مسخرة أم لا؟

وهل الحرب الواقعة حالياً مسخرة؟

هل المواقف الدولية مسخرة؟

هل القوى العظمى  مسخرة؟

هل كل الأطراف مسخرة؟

هل كل السياسة والأحزاب مسخرة؟

هل كل الحلول مسخرة؟

هل كل المؤتمرات مسخرة؟

هل كلنا صرنا مسخرة؟

صمتت قليلاً وهي ترمقني والشرر يتطاير من عينيها

نهضت وقالت: هل أذهب؟

قلت: لك القرار لا أعرف هل تذهبين أم لا؟

قالت هذي هي المسخرة بالضبط أن ترتمي امرأة بين يديك، لتتعرف عليك وتصادقك، وأنت لا تحرك ساكناً، حتى ولا تحاول أن تقول لي كلمة، إذاً بالفعل هذه المرة أنت مسخرة .

نهضتْ بعصبية وغادرت متوترة  حانقة،

 وارتشفتُ أنا فنجان قهوتها الذي لم تلمسه، بعد فنجان قهوتي، حتى لا أدفع الثمن عبثاً، وأنا واجمٌ، أفكر بالإهانات القادمة لاحقة الدفع، بعد الإهانات العديدة سابقة الدفع.

 

مستخدم عام

لم تقتنع حتى الآن، بأني كنتُ مديراً عاماً، قبل أن أتخلىَّ عن عملي، لأسباب تمس النزاهة، ليست نزاهتي أنا، بل نزاهتهم هم.

صديقتي التي تتخذني في كل تحركاتها، مرافقاً وحارساً شخصياً وبالمجَّان، طلبت مني أن أنتظرها على عتبة الدرج، ريثما تنهي عملاً خاصاً في مكتب مديرها، فلا يصح أن أدخل معها، حفاظاً على أسرار الدولة.

على عتبة الدرج، صادف وجود المستخدمة التي باشرتْ بالشطف والمسح، لم تتمكن من فتح غطاء علبة سائل التنظيف المحكم الإغلاق، فاستعانت بي لأني الوحيد الموجود أمام وجهها.

فتحْ غطاء علبة سائل التنظيف، فتح علاقة صداقة بيني وبينها، ارتاحت لي، فأخذت تحدثني عن صعوبة تنظيف أوساخ المديرين والإدارات.

كانت منهمكة في عملها وهي تحدثني، تحاول بجهد جهيد إزالة ما يشبه بقعة دهان ملتصقة على البلاط، لم تتمكن منها، ومن مبدأ العمل الخيري، تناولتُ المكنسة من يدها، ورحتُ أجرب إزالة هذه البقعة.

هنا كانت ذروة الفيلم الهندي، عندما خرجت صديقتي برفقة مديرها، كانت على وشك تعريفنا ببعض، عندما رأتْ المكنسة في يدي وأنا منهمك في التنظيف.

توسعت حدقتاها، وصارت عيناها أوسع من عَدَسَتيّ نظارتها الطبية.

تجاهلتني وابتعدت مسرعة، وصار لونها كلون مخلل اللفت المصبوغ بالشوندر، عندما سمعت المدير الذي لا يعرف أشكال مستخدميه يقول لي: هل نظفت السيارة اليوم يا ابني؟.

العدد 1140 - 22/01/2025