عيد… دون ماء… عـدت يا عيد

 بعض الناس يوصفون بأنهم أصحاب يد خضراء إذا كان يعملون في الزراعة، وكان زرعهم ناجحاً، وكذلك تقال لمن تعمل في الحلاقة النسائية، دلالة على أن شعر الزبونة سرعان ما يطول بعد قصّه على يدها، وهناك أناس توصف أقدامهم بأنها خضراء، مثل العروس التي يصادف يوم عرسها هطول المطر مثلاً، وهناك بشر قادرون على (تنشيف البحر)! وأقول بصراحة إن البحر قد نشف حين مررت بالقرب منه في زيارتي الأخيرة للساحل… ولكن صدقوني ليس السبب أن قدمي قاحلة، وإنما البحر عندنا مختلف عن بحار العالم كلها، فأنا لا أستغرب مثلاً أن يشكو أهل حلب مثلاً من نقص المياه، لكن أستغرب كلما زرت قرى الساحل، وشهدت أزمة المياه القديمة التي تعود إلى عصر ما قبل الأزمة السياسية التي اعتدنا أن نعلق عليها كل مشكلة وعلة! لذلك قطعت زيارتي للضيعة بعد أن يئست من عودة المياه، وقررت العودة إلى العاصمة حيث أستطيع التمتع كل يوم بسماع خرير الماء في خزان البيت، ولا أخفيكم أن المياه انقطعت في دمشق فور وصولي إليها، ولكن صدقوني لا علاقة لي بالموضوع، كل ما في الأمر أن هناك سوء تفاهم حصل بين بعض الأطراف وأدى إلى انقطاعها لأكثر من أسبوع، وجاء العيد، وبقي سوء التفاهم قائماً، واقترب موعد زفاف صديقتي المقرر في العيد، فقامت بتأجيله، لكي لا يظل الناس بعد أربعين سنة يقولون كلما تذكروا عرسها (يوم عرس فلانة كانت المي مقطوعة عن الشام)، فهي لا تريد أن تكون قدمها نحساً. وأنا من جهتي أستطيع أن أؤكد لكم أن قدمي خضراء، بل حتى مزهرة، إذ حصل ما يشبه المعجزة، ففي الوقت الذي نشفت فيه أغلب حنفيات المدينة، كانت حنفيات حارتنا تشهد حركة طبيعية للمياه داخلها! ما تفسير الظاهرة ؟ لا أعرف، فحارتنا التي تعاني من الحرمان في كل شيء، لم تحرم من نعمة المياه خلال هذه الفترة، ولا شك أن هناك تدخلاً إلهياً في الموضوع، وهكذا جاء العيد واستقبلناه بكل فرح وسرور، وقمنا بكل الطقوس المرافقة له من تعزيل واستحمام وغسيل، وفي أول أيامه تبادلنا التهاني وقرعنا الكؤوس (كؤوس الماء طبعاً)، وبعد ذلك بدأنا الزيارات للأهل والأصدقاء في الحارات غير المحظوظة حاملين معنا الهدايا الثمينة من بيدونات وزجاجات ماء، وكذلك عمدنا بكل أريحية إلى توزيع الدعوات عليهم للقدوم على بيوتنا من أجل الاستحمام والغسيل… أي باختصار كان عيداً مباركاً، خصوصاً أن بركة الكهرباء حلت علينا أيضاً، لقد نسيت أن أنوه بهدية الحكومة بمناسبة العيد والتي كانت عبارة عن أربعة كيلوات كهرباء… وهكذا اجتمع عندنا (الحسنيين) لأول مرة من دهر! وصار بوسعنا تشغيل التلفزيون ومشاهدة رئيس الحكومة وهو يجول في معمل تعبئة المياه، فصار بوسعنا الاطمئنان على مستقبلنا المائي، إذ سيكون بمقدورنا شراء الماء بالعبوات حين تنقطع عن الحنفيات، فنشربها ونغسل بها الصحون ونشطف البيت ونستحم ونغسل ثيابنا بكل سعادة واطمئنان، ولا خوف من الكلفة لأننا سنؤمنها من زيادة الرواتب الأخيرة، والأهم أننا لن نضطر لفعل ما فعلته إحدى الموظفات في يوم الوقفة، ففي إحدى الوزارات المدعومة أي التي كان فيها مياه قبل العيد، شوهدت موظفة في مكتبها تضع على رأسها فوطة حمام، بينما زميلتها تقول لها (نعيماً)! وأعتقد أننا في العيد القادم سنرى حبل غسيل على شرفة المكتب..

العدد 1140 - 22/01/2025