اليوم العالمي للنميمة

تعددت الأعياد بأصنافها وألوانها بدءاً من أعياد الميلاد حتى إرسال أول سفينة فضاء إلى كوكب المريخ. أتصور أن أحداً لم يفكر بإحياء يوماً للاحتفال بعيد النميمة.. والسؤال: كيف يمكن تحديد يوم وتاريخ لهذا العيد؟

هناك من يستنكر مثل هذه الأعياد.. وآخرون حينما يقرؤون هذه الزاوية سيفكرون جدياً باقتراح عملي للبدء بالاحتفال مثلاً في العام القادم بأول نيسان وهو اليوم العالمي للكذب.

لا أدري من ثقب أذني وهمس فيها.. المهم أن الفكرة اقتحمت ذاكرتي، فسررتُ كثيراً وطاف الفرح من نهر قلبي، وروى أرض أحزاني وجفاف روحي.

ونمَّ بفلان وعلى فلان: وشى به، ونقل عنه إلى غيره ما يسُوءُهُ، ويوغرُ صدرَه عليه ويُفْسدُ الودّ بينهما.. والنميمة هي الحديث الذي فيه الوشاية والإفساد.. حسب ما جاء في المعجم المدرسي.

ومن يتابع إفرازات الأزمة في سورية والمنطقة، ويرى كيف تطحن الملايين، ويراقب نتائجها المدمّرة غير النهائية حتى الآن، والتي لم يعرف إلاَّ جزء يسير منها، يدرك جيداً أن مما يجري في كل تجمّع مؤلف من ثلاثة أشخاص وأكثر أن النميمة أحد هذه الإفرازات، وكيف الحال في الفضائيات المعادية التي تشتغل على الغاز والنفط الخليجي، وذلك بسبب الفراغ في مجتمع نسبة البطالة فيه عالية وهاجر نصفه.. ومن المعيب أن يظل النمّامون يلوذون بالصمت، ولا يتحدثون بما سمعوا من قصص وأخبار وحكايات ويرشوا عليها البهارات السامة. وإذا لم يتوفر الكلام المفيد يصابون بعسر الهضم، ويطعنون الآخرين في ظهورهم، وينعتونهم بأبشع النعوت.. وينقلون صورة مشوّهة عنهم للغير.. صور متداخلة الألوان والخطوط والزمان ومتماهية في المكان. وهناك قاعدة عامة للنميمة وليس (للتنمية)، تقول:( إذا اجتمع أكثر من ثلاثة أشخاص فالنميمة تكون الرابعة).

ولا يمكن استثناء أية جماعة من (فعل النميمة)، مع الأخذ بالاعتبار مستوى النمَّامين ودرجة ثقافتهم، فأحياناً يكون الشخص الأُمّي دافئ اللسان نقي القلب، بينما يكون المتعلم أوالمثقف طليق اللسان، ويمكن أن يعطى شهادة عليا في النميمة كما يحصل في هذا الزمن..! وبيَّنت لي الإحصائية التي قمت بها واستمرت عاماً كاملاً، أن أعلى نسبة للنميمة هي بين الكتّاب، بنسب مختلفة. وللحقيقة أقول: من الصعب تعميمها على الجميع. وأصبحت النميمة جزءاً مكمّلاً لحياة بعض الموتورين التافهين، ودون ذلك يزداد قلقهمً لأنها الدواء الذي يشفي غيضهم ويريح نفوسهم من الإصابة بالصداع أو الشقيقة..!

النميمة (جنس أدبي إبداعي سردي يحمل العجائب والغرائب)، له أصول في المحاكاة وقدرة السارد على التوصيف والتهريج، وجذب الآخرين الجالسين مع النمَّام وهم يصغون إليه وآذانهم مفتوحة وعيونهم في حالة ضمور وكسل. . وعلى وجوههم تظهر لمعة سحرية فيها مساحة جمالية أخَّاذة، قادرة على إزالة الكثير من اليأس والكآبة وسوء الحظ. وهناك من امتهن (النميمة).. وأصبحت شغله الشاغل ترافقه في النهار والليل، وفي أحلام اليقظة واللاشعور، وأثناء السمر والسفر. وإذا لم يجد النمَّام من يستمع إليه يصاب بالهستيريا، يحاول أن يفتح خطاً مباشراً مع أول رقم هاتف يحفظه لصديق يثق به كي يدلق على مسامعه ماء الكلام، وهو يرشف آخر جُرْعة من القهوة الباردة.. وبين الشهيق والزفير ينام مرتاح البال.. ويحلم بصباح آخر أكثر توهجاً وأجمل مما يتصور..!

وفي الأيام القليلة القادمة وقبيل انتخابات الكتاب، سيزداد تفاعل النميمة، وخلط الأوراق وتفعيل التنافر وخياطة الحكايات بإبر واخزة، وإهمال أية اعتبارات أخرى.. وآخر الكلام.. فالنمَّام يتصف بالشراهة ويحمل مكيالاً للكذب، يكيل به الحبوب التي يمرح السوس فيها ويسرح..! وما على النمّاَمين إلاَّ أن يحددوا يوماً يكون عيداً للنمّ والنميمة ودفء الحكايات وروعة الكلام..!

العدد 1140 - 22/01/2025