كان بالأمس بيننا, باسم عبدو.. سلاماً لروحك!
رحل رفيقي في رحلة العمر.. رحل باسم عبدو دون إذن من أحد.. فقد ملّ الانتظار، وهاله ما حل بسورية، فآثر الرحيل خوفاً على حلم سيتلاشى، وآمال تتهددها سنوات الجمر القاسية.
أربعون عاماً مضت منذ أن عرفت باسم، كان بسيطاً كموجة، نقياً كماء النبع، هادئاً كليلة صيف دمشقية.. حفر باسم درب حياته بأظافره، لكنها كانت أظافر من فولاذ، ورغم قساوة الأيام تابع باسم سعيه إلى حلمه، فاجتهد واغتنى وأغنى، وبصم في عالم لا يعترف إلا بالأقوياء.
في قلب باسم عبدو طفل صغير، كان رقيقاً رغم سمات وجهه القاسية، مازحته مرة وهو يطلعني على صورة حفيدته فرحاً: أبا شفيع، هلاّ حلقت شاربك الكثيف كي لا ترعب الطفلة؟! فعاتبني قائلاً: وهل مظهري مخيف؟ أنت تعرفني منذ عقود.. أنا لا أخيف قطة!
وللأمانة هنا، فرغم رقة سريرته وهدوئه، لكنه في الأحيان التي واجه فيها المنعطفات التي مر بها كان صلباً، مكافحاً، دون تردد، بل كان قاسياً على من يستحق القسوة.
همّان رئيسيان كانا يشغلان باسم عبدو طيلة حياته: عائلته والحزب.. لم يشاركهما همّ ثالث إلا حين دخلت سورية العزيزة على قلب أبي شفيع نفقاً مظلماً، أراد لها الإرهابيون ألا تخرج منه، فصارت سورية هي الشاغل الأكبر.
كانت جريدة (النور) هي المحطة الأخيرة التي جمعتني بباسم.. سنوات تسع عملنا معاً في مهنة الحرف والكلمة، فكانت حروفه بيضاء، وكانت كلماته مضيئة.. لم يتطرق إليه اليأس حتى في الظروف الصعبة التي مرت بها بلادنا، وبقي مؤمناً بانتصار شعبنا وجيشنا على الغزو الإرهابي، وكتب عن المستقبل السوري الذي نريده واعداً، وعن سورية التي ستضم من جديد جميع مكوناتها السياسية والاجتماعية والدينية على أسس ديمقراطية.. علمانية.. تقدمية.
كان باسم عبدو وطنياً صادقاً، وشيوعياً حقيقياً، وصديقاً وفياً، وأديباً متميزاً، وكان يكفي لأي إنسان صفة واحدة من هذه الصفات كي ينال الاحترام والتقدير.
افتقدناك يا رفيق باسم في قيادة الحزب الشيوعي السوري الموحد، وافتقدناك في هيئة تحرير (النور)..
وداعاً يا صديقي ورفيقي باسم عبدو، سنذكرك صبيحة كل يوم في مقر جريدة (النور).
أما لأم الشفيع.. وللأولاد والأحفاد الأحباء، فأقول لهم: ارفعوا رؤوسكم عالياً، فقد كان باسم وسيبقى فخراً لعائلته، وحزبه، ووطنه.