ما لم يعد المواطن يتحمّله!
كثيراً ما تُستخدم الأعذار في سبيل التخفيف من وقع أمر ما وإمكانية قبوله. وغالباً ما تنجح تلك الأعذار وتحقق غايتها، بغض النظر عن مدى صحتها أو العكس. ومن هنا هل يصحّ المثل القائل: (الغاية تبرر الوسيلة) الذي لا يمكن تبنيه في معظم الحالات؟ فمن غير الممكن أن نقوم بعملية قتل إنسان في سبيل الحصول على القليل من المال!.ولو حاولنا الخوض في هذا لطال بنا المقال!
في الحقيقة ما دعاني إلى هذا هو الأعذار التي تقدمها لنا الحكومة العتيدة كلّما اتخذت قراراً، وهي تعلم في سرها أنها تقود البلاد والعباد إلى حافة الهاوية والجوع، في هذه الظروف الصعبة التي نتلاطم على ظهر أمواجها العاتية التي تهدد وجودنا في كل يوم وليلة. فمثلاً عندما رفعت سعر لتر البنزين كان عذرها في ذلك بأن المواطن (المرفّه) هو الذي يملك سيارة وعليه فإن من يملك سيارة يقدر ثمنها بحوالي نصف مليون ليرة سورية أو أكثر فإن مبلغ الزيادة القليل لا يمكن أن – يغصّصه – متناسية أن قسماً كبيراً ممّن يملكون سيارات يقضون يومهم ونصف ليلتهم في الشوارع العامة وأمام الكراجات في سبيل الحصول على زبون كي يسدّدوا أقساط سياراتهم التي كانت الدولة سباقة لتقديم القروض لهم في سبيلها، فراكمت أعداداً هائلة من تلك السيارات في شوارعنا، وبالتالي زادت من الازدحام ومن التلوث ومن استخدام الوقود وحولت الرساميل إلى حديد في الشوارع!
وفي خطوة تالية وقبل أن ينسى هذا المواطن المعتّر زيادة سعر البنزين، صفعته الحكومة بقرارها القاضي برفع سعر أسطوانة الغاز، وكان عذر الحكومة يومذاك بأن هذه الزيادة نتيجة الطلب المتزايد على هذه المادة!. وهنا نتساءل بكثير من المحبة عن تصريحات المسؤولين في بلادنا عن الاكتشافات المذهلة لحقول الغاز والتنقيب واستخراج الغاز، ممّا جعلنا نتوقع أننا سنصدّر الغاز إلى معظم بلدان العالم، ومن الممكن أن نتحكم بالسعر العالمي وبالقرارات الدولية التي صدرت والتي ستصدر، ولكننا فوجئنا في هذه الأزمة العابرة بأن الحصول على أسطوانة غاز سبب حقيقي يدعو للاحتفال وتوزيع الحلوى وإطلاق الأعيرة النارية أحياناً!!
لن أتحدث عن المسابقات الخلبية التي تعلن عنها الحكومة كلما نامت واستفاقت، بل سأختم حديثي بما أتحفنا به أكثر من وزير ومسؤول معني بزياد سعر ربطة الخبز في حكومتنا (قبل أسابيع) إذ أعلنوا أن زيادة السعر على هذه المادة لمصلحة المواطن دون أن ينسى هؤلاء تذكير المواطن بأن الحكومة مازالت تدعم الرغيف، وبمعنى آخر مازال المواطن يرزح تحت (المنيّة) وطبعاً دون أن ينسى هؤلاء أيضاً أن يسألوننا أيهما أفضل أن نرفع ثمن ربطة الخبز أو أن يبقى المواطن يتلفها ويقدّمها علفاً للحيوانات ؟!. إن كان السيد الوزير أو غيره ممن يتلطون وراء هذا العذر يستغبي المواطن، فهذه والله من أكبر الكبائر. أمّا إن كان سؤاله على سبيل العذر المقدَّم مسبقاً لرفع سعر ربطة الخبز فنقول لسيادته بكل مودة، ونرجو أن يتسع صدره لنا طالما اتسعت صدورنا لرماح من سبقوه: إنه عذرٌ أقبح من ذنب يا سيادة الوزير!
هنا أتذكر ما أكرمتنا به الحكومة السابقة قبل سنوات، عندما حدث جدال بسبب جدوى عطلة يوم السبت وعدم جدواها، فعطلت بعض الوزارات ولم تعطل أخرى.. يومذاك قال جهابذة الاقتصاد في الحكومة بأن عطلة يوم السبت ستوفر على الدولة مليارات الليرات السورية، وهذه المليارات ستؤمن فرص عمل حقيقية للحدّ من البطالة من خلال فتح باب التوظيف لعدد من العاطلين عن العمل.. ويومذاك أتذكّر أن أحد المتندرين قال: إذا كانت عطلة يوم السبت وحدها ستوفر كل تلك المليارات فكيف إذا عطّلنا الأسبوع بالكامل؟!.أكيد ستوفر الحكومة مبالغ طائلة وربما تتمكن من توزيع رواتب على المواطنين الذين انتقلوا إلى رحمة الله تعالى منذ عقود! وعلى هذا المبدأ فإذا رُفع سعر المازوت والغاز والبنزين والخبز إلى هذا الحد، فإن الحكومة ربما ستتمكن من توظيف الأطفال الرضّع أو توزيع رواتب عليهم!
عفواً يا سادة.. لا نريد أعذاراً أقبح من ذنوب كما هو معروف، بل نريد اعترافات واضحة وصريحة بأننا نعاني من أزمات حقيقية بسبب عدم الشفافية، وبسبب عدم الإحساس بالمسؤولية، وبسبب الهدر وعمليات الفساد، وبسبب قلّة المحاسبة أو انعدامها في كثير من القضايا الهامة، في كثير من الأحيان!. المواطن السوري معتادٌ على التقشف وظهره مازال يتحمّل! أمّا أن نتخبط بين عشية وضحاها بقرارات عشوائية وبتصريحات متناقضة فهذا مالم يعد المواطن يتحمّله..!