يوم بعد غد في حياة مهاجر

 حسناً! قد عقدت العزم على الرحيل إذاً، شأنك! وليس لأحد أن يملي عليك خياراتك وقراراتك وأنت الباحث عن واحة أمن؟.الساعي وراء سعة رزق بعيداً عن هذا اللهيب المستعر في كل مكان، ليس لأحد أن يصادر حقك في خوض التجربة أو أن يسلبك فرصتك بصنع قصة نجاح كتلك القصص التي طالما دغدغت أحلامك وألهمت آمالك؟

غداً!.. ربما!.. ربما تظفر بمرادك فتنعم بكليهما وربما براحة البال ونشوة النجاح الأولى أيضاً ولكن؟. بينما توضب أشياءك وتحزم حقائبك حالماً بغدٍ ينسيك آلام اليوم ومعاناة الأمس وشقاء ما قبله، هلاّ سألت نفسك: وماذا عن يوم بعد غد؟هل تهيأت لما قد يحمله يوم بعد غد؟ هل أعددت إجابات لأسئلة لا بد محدقة بيوم بعد غد؟ أسئلة قد تحيل إحساسك بالأمن إلى وهم؟. وبهجتك بالنجاح إلى غصة وشعورك بالظفر إلى بدد، أسئلة كبريلا تقبل أجوبة أقل منها شأناً، وإن كنت في شك فسل عنها من خبِر وطأتها قبلك؟

فهل أعددت لذاك اليوم عدته؟ هل أعددت نفسك لمغالبة حرقة دموع الشوق والحنين حين تدهمك ذات يوم ذكريات مراتع الطفولة وميادين الصبا مبثوثة في همسة هاربة من ماض بعيد؟

وطني يا جبل الغيم الأزرق     

وطني يا قمر الندي والزنبق

يا بيوت البيحبونا ياتراب اللي سبقونا

يا زغيّر ووسع الدني  يا وطني

حين تقتحم أحلامك ذات فجر صور أحبة أعياهم الأمل بلحظة اللقاء فرحلوا بعيداً؟. بعيداًجداً حيث لا أمل يرتجى ولا خيبة تتقى؟

حين يزكم أنفك ذات صباح عبير أشبه بعبير النارنج والياسمين والطيّون؟

حين يتوهم سمعك ذات أصيل صوت خفق أجنحة سنونو وهديل حمام؟

وغيرها الكثير الكثير من لحظات لن تنفك تتربص بكل حركاتك وسكناتك فتحيلها خواء ويباباً.. فإن سوّلت لك نفسك الأمّارة بالأمل الخادع أن تردّ مزيحاً عن عاتقك عبء البحث عن إجابات شافية بالقول:

(إن هي إلا فترة وجيزة وسنعود، سنعود غداً حين..)، فما عليك إلا سؤال من كان بهذه (الحين) خبيراً، وسينبئك أي غول نهم لسني العمر هذه (الحين)، غول لطالما برع في نثر الأماني الكاذبات على دروب ضحاياه فإذ هم في عقر وكره طائعين، أشلاء آمال و بقايا أمنيات ومتاحف ذكريات؟

سله عن حيرته؟. عن صمته إزاء سؤال طفل: من أنا يا أبت؟ من نحن يا جدي؟ سله جواباً شافياً عن السؤال الأهم: ماذا كنت لتفعل لو عاد بك الزمن إلى يوم قبل أمس؟ اسمع جوابه، ثم شأنك احزم حقائبك وامض في سبيلك إن شئت!

العدد 1140 - 22/01/2025