كي لا ننسى…ميشيل عيسى …المناضل الفلاحي الذي عرفته دروب الريف السوري
في بلدة المشتى الجميلة، وارفة الظلال، والراقدة على سفوح جبال صافيتا، وفي عام 1930 ولد ميشيل عيسى من عائلة غير ميسورة. كانت البلدة آنذاك متميزة نسبياً عن محيطها، بحكم مركزها التجاري، وبحكم علاقاتها الوثيقة مع الخارج، ومع لبنان بصورة خاصة، وبحكم وضعها المادي الأفضل من أوضاع الريف المجاور، فقد كانت من أولى البلدات في الساحل السوري التي افتتحت فيها مدرسة ابتدائية ومدرسة ثانوية، ولقد نهل العلم من هاتين المدرستين الكثيرون، الذين كان لهم لاحقاً شأن ملموس في الحياة السياسية والثقافية والاجتماعية في البلاد….في مدرسة القرية الابتدائية حصل ميشيل عيسى على الشهادة الابتدائية، ونال شهادة الكفاءة في إحدى مدارس صافيتا.
ولما كانت الحركة الثقافية والتعليمية والسياسية متميزة في هذه البلدة، كان من الطبيعي أن يتأثر الشاب ميشيل عيسى بهذه الأجواء الصاخبة فيها، كانت منظمة الحزب الشيوعي السوري ناشطة فيها، وتأثر الشاب ميشيل بالأفكار الشيوعية، وأفكار العدالة الاجتماعية، وانتسب إلى صفوف الحزب عام ،1949 ليربط مصيره منذ ذلك الوقت بمصير الحزب الذي أعطاه كل ما يملك من قوة، فقد كرس حياته منذ انتسابه للمسألة الفلاحية، لمسألة النضال من أجل تحرير القرية السورية من مظالم الإقطاع الذي كان منتشراً آنذاك في ريف طرطوس، وتعرفه قرى المحافظة ودروبها، وتعرف كم من الوقت، وكم من التعب، وكم من ضروب الحرمان نال هذا المناضل من أجل تحرير الفلاح، ومن أجل رفع المعاناة عنه، ومن أجل حريته وحرية أطفاله، لقد وصل إلى قيادة منظمة الحزب في صافيتا وطرطوس نتيجة نضاله، والتصاقه بالناس، وتضحياته من أجل مطالبهم الحيوية، كان همّ الناس، وهمّ توسيع صفوف الحزب بين الكادحين يشغل باله دائماً، ولقد خاض معهم النضالات المطلبية، ولوحق واعتقل.
ينتسب ميشيل إلى دار المعلمين الابتدائية في حلب، وينشط في أوساط الطلبة، ويقوم بتوزيع مناشير الحزب، ويُفصل من المعهد نتيجة ذلك، ويعود إلى محافظته ليتابع نضاله. تعرفت عليه عام 1955 وكان عمري لا يتجاوز الـ15 عاماً، وكانت المناسبة هي اجتماع لأصدقاء الحزب في قرية القليعة التابعة للدريكيش، كان عدد المجتمعين على ما أذكر 10 أشخاص ومن بينهم أنا، وحضر هذا الاجتماع ميشيل عيسى وحبيب حسن وديب قطيرة، تحدثوا لنا طويلاً عن الحزب وأهدافه ونضاله، ووزعوا بعض النشرات، ثم طلبوا من الجميع الانتساب إلى الحزب، وافقت الأكثرية على ذلك، واقتنع اثنان، وإثر ذلك كلّفنا بتوقيع عريضة السلام من أجل تحريم القنابل الذرية بناء على نداء استوكهولم من أجل السلم، وأذكر أننا نفذنا هذه المهمة في قرى المنطقة بحماس، قبل انتظامنا في صفوف الحزب.
يعتقل ميشيل عام ،1959 ويعذب بشراسة، ويطلب منه البراءة من الحزب، وممّا يؤمن به، إلا أنه يرفض ذلك رغم كل الضغوط التي مورست عليه، ولقد كان من الذين لعبوا دوراً قيادياً بين المعتقلين في سجن المزة، ويخرج من السجن بعد ثلاث سنوات أكثر ثقة وإيماناً بعدالة القضية التي ناضل من أجلها، لينخرط مباشرة مع الحزب في نضاله، ويعمل على تنفيذ جميع المهام التي كلف بها، سواء في جهاز الحزب أم في العمل التنظيمي.
بيد أن المسألة الفلاحية كانت تشغل باله باستمرار، وأولاها أهمية خاصة أينما كان يكلفه الحزب، في محافظة طرطوس، أم في منطقة الجزيرة أو غيرها من المناطق. ينتخب في المؤتمر الثالث للحزب عضواً في اللجنة المركزية، ويدرس بعد ذلك في المدرسة الحزبية العليا في الاتحاد السوفييتي، ويعود ليتابع نضاله، وقد تأثر شأنه في ذلك شأن الكثيرين من شيوعيي تلك الفترة بالخلافات التي نشبت في صفوف الحزب، إلا أن وحدة الحزب كانت باستمرار عزيزة عليه، وكان يعرف مقدار الخسائر التي سيمنى بها الحزب نتيجة الانقسام، لقد عمل الكثير من أجل عودة وحدة الحزب وبقي مخلصاً لذلك حتى آخر حياته.
عندما سيجري تدوين لتاريخ الحركة الفلاحية المعاصرة في سورية، لابد أن اسم ميشيل عيسى سيحتل مكاناً مميزاً في هذا التاريخ، ولن تُنسى تضحيات هذا المناضل من أجل مستقبل أفضل لسورية ولكادحيها.