بسطات.. بسطات.. من يمتلكها؟!
على كل مواطن سوري باحث عن الضمان في تناول غذاء صحي ومفيد ومحتوٍ على كل العناصر الغذائية من بروتينات ودهون وسكريات، إضافة إلى الفيتامينات والمعادن الضرورية لبناء الجسم، معرفة ما يشتريه أولاً، أو كيف يختار الغذاء السليم ثانياً، فما عليك عزيزي المواطن إلا التوجه إلى أي شارع أو بسطة في اللاذقية أو حاراتها لتستحوذ على طلبك، فلكل مادة أو سلعة غذائية سواء كانت طازجة أم مبردة مجمدة أم معلبة شروط خاصة من حيث طرق حفظها وتخزينها وكيفية تداولها، تحت الشمس الحارقة، وبحماية كل أنواع الذباب والحشرات والبعوض، وفي جو رائع من التقلب الأتوماتيكي من حرارة النهار، وبرودة الليل، وهناك أيضاً أكلات لها صفات وخواص للغذاء الجيد والخالي من التلوث، وكذلك الغذاء التالف وغير الصالح للاستهلاك الذي يباع ويشترى دون أي رادع، وبمباركة من الجهات المعنية التي تغض الطرف أو كأنها لا ترى شيئاً يدعو لكتابة المخالفة أو حجز البضاعة..
يتساءل أحد المواطنين عما إذا كان بإمكاننا أن نفعل أو نقوم به أمام مخالفات تضر بالمستهلكين الذين هم مواطنون سوريون مثلنا؟!.. هل أبلغ الجهات المعنية، أم أنصح الجهة المنتهكة؟ وإذا لم تصلح الخطأ هي أكتفي بالسكوت هنا على قاعدة (يا دار ما دخلك شر) بسبب الأزمة التي يمر بها البلد، ولتدارك أي تداعيات، تتحجج دوريات المحافظة بأنها تتجنب (العلقة) مع أحد، لكن المشكلة تعدّت هذا المبرر الحكومي، لتصل حجم البسطات في شوارع اللاذقية إلى أكثر من أرصفتها، بل لم تترك هذه البسطات أي رصيف للمواطن للسير عليه، لدرجة وصلت ببعضها إلى وضع البضاعة أكثر من التي توضع في السوبر ماركت الكبير أو مول، فالبسطات المنتشرة على أرصفة الطرقات أصبحت بمرور الزمن مكاناً لتجارة كل ما يخطر على بال المواطن من الإبرة ونكاشة الأسنان وصولاً إلى الأدوات المنزلية والكهربائية، لدرجة أن البعض أصبح يجد فيها ما يطلبه من حاجات تغنيه عن الشراء من السوق، وذلك بسبب انخفاض أسعار المواد المعروضة على البسطات والأرصفة، والتي تكون أقل من السعر الحقيقي بأرقام تجعل المواطن يركض عليها بعيداً عن السؤال عن البلد المنشأ، أو تاريخ الصلاحية، حتى يصل الأمر ببعضهم لشراء السلعة بمجرد أنه لم تمض على انتهاء صلاحيتها بضعة أشهر.
على سبيل المثال في شارع الريجة القديمة يوجد سيارة بيك أب متوقفة فيها العشرات من الكراتين، وعلى بعد أمتار يوجد بسطات للمعلبات وألبان وأجبان وكل أنواع الزيتون أصحابها من كل الأعمار نساء وأطفال ورجال ينشرون بضاعتهم على الأرصفة كاللبن المصفى الذي يُعرض على أساس أنه من مراعينا، والجبنة التي لا تتمتع بأي مواصفات سوى أن لونها على بياض ويوحي بأنها جبنة، الناس يشترون لأن سعرها تواكب الجيبة التي انتهكت، واغتصبت لتغدو بعد مرور خمسة أيام من قبض الراتب خالية من أي ليرة!
واللافت في بعض البضاعة المعروضة هنا وهناك أنها صناعة أمريكية وأوربية، هنا وقبل الحديث عن صلاحيتها فليسمح لنا أصحاب القرار بالسؤال التالي: إن كان هؤلاء يطبقون علينا عقوبات اقتصادية وحصاراً شاملاً، كيف دخلت تلك البضاعة إلى البلد؟ ومن المستفيد من طرح كل هذه الكميات في الأسواق دون أية مراقبة في وقت أغلقت فيه معظم منشآتنا الوطنية والمحلية؟!
ولعل المثال الحاضر على السؤال المذكور مواد التجميل والمساحيق والشامبو التي تباع في البسطات على أنها ماركة مسجلة لماركات معروفة، فشكلها الخارجي يوحي لأنها نفسها تلك المتعارف عليها من العبوات الأصلية، فيقوم أصحاب تلك البسطات ببيع الشامبو مثلاً على أنه ماركة (صانسيلك) وأرخص من المحلات ويعالج مشاكل الشعر، هذا الشامبو نفسه يباع في المحلات بـ 900 ليرة بينما على الأرصفة 450 ليرة أي بفارق 500 ليرة للعلبة الواحدة، ولعل هذا الفارق في السعر كافٍ لتوجه المواطنين إلى شرائه!!!…
مديرية التموين في اللاذقية بدل أن تكون مهمتها مصادرة البضائع المهربة والمخالفة للمواصفات وحجزها، تحولت إلى موقع النصح، على الرغم من اعترافها بارتفاع عدد الضبوط التي تنظمها وشكاوى جاءت من المواطنين الذي يشترون غالباً المواد الغذائية ومواد التنظيف ومساحيق التجميل، هذه الشكاوى قدمت دلائل ملموسة تثبت أن المواد مغشوشة ومزورة ولا تصلح إطلاقاً للاستخدام، وبالنسبة للمواد الغذائية فأغلبها غير صالحة للاستهلاك، والغريب أن المعالجة الحكومية جاءت بتوجهات من المديرية للمواطنين على شكل نصائح بعدم شراء تلك الحاجيات إلا من المحلات لأنه في حال وجود أي شيء يضر أو يؤذي بالصحة تسهل معالجته ومقارنته بتلك التي تعرض على البسطات المفروشة على أرصفة الطريق، وأن من الصعب ضبط كل حالات الغش ضد كل البسطات، أي أنها بدلاً من أن تتحدث عن كيفية القضاء على ظاهرة البسطات أو منع التهريب عبر الحدود لكي لا تدخل تلك المواد المنتهية الصلاحية إلى البلد راحت تقدم تلك النصائح التي يعلمها المواطن جيداً
لكن ماذا باستطاعته فعله إن كانت الجيوب فارغة، ولا يستطيع بمجرد النظر الدخول إلى المولات لكي لا يصاب بالجلطة من رؤيته لأسعارها الكاوية، أما ظاهرة انتشار بيع الأجهزة الخلوية التقليدية والمهربة، فقد شهدت الأسواق مؤخراً انتشاراً واسعاً لها وهو موضوع يصعب ضبطه لأن مقارنة بما ذكرناه، المواطن هو صاحب القرار في الشراء بالنهاية ويدرك تماماً الخديعة التي سيقع فيها.
يبدو أن كل ما ذكرناه لا يهم أصحاب الدخل المحدود، ومن لديه أدنى شك أن جميع الناس بالمطلق لا يعلمون أنها منتهية الصلاحية يكون على خطأ، لأن الغالبية الساحقة من الشعب السوري يعلم روايات التهريب والتقليد، ولعدم مقدرتهم شراء البضائع مقلدة ومنتهية الصلاحية أيضاً، وأنها بضائع مزورة وتحمل اسم ماركة مشهورة وطبعت عليها البيانات لكي لا تكشف، لكنهم يمثلون على أنفسهم قبل عائلاتهم بعدم معرفتهم بذلك.
إن السؤال الهام الذي يجب أن نطرحه هو: من الذي يُدخل هذه البضاعة؟ وكيف يجري إدخالها؟ ومن أية معابر أو مرافئ تدخل رغم صعوبة الوضع الأمني في كل المناطق؟
إن محاسبة هؤلاء بالنهاية ليست من مهمة المواطن الذي لم يعد يملك مقومات المعيشة العادية، محاسبتهم يجب أن تكون من الجهات المعنية التي أصبحت شريكة في الربح بكل تأكيد، بعد أن كان لها حصتها مقابل البسط على الرصيف.. يبقى السؤال: مِن مصلحة مَن إطالة عمر الأزمة؟!… وهل من حلول أخرى؟!