عمالة الأطفال
باتت عمالة الأطفال ظاهرة ملموسة على أرض الواقع، وتزداد يوماً بعد يوم، وتصنّف ضمن الظواهر الاجتماعية المتفشية في المجتمع نتيجة لتهرب وزارة الشؤون الاجتماعية سابقاً ولاحقاً من الاعتراف بطبيعة هذه الأزمة ، التي أصبحت تأخذ أبعاداً خطيرة لما تحمله من مخاطر على شخصية الطفل سواء في أماكن العمل، أو في الشارع الذي أصبح منبعاً للانحراف والاختلاط برفاق السوء، فوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل لم تعط حتى اللحظة الاهتمام الكافي لكشف المسؤولين عن هذه الظاهرة، وبالتالي إيجاد الحلول المناسبة لها، ومعالجتها بطرق علمية بعيداً عن مبدأ العقاب والثواب، وما زالت كل الأرقام الإحصائية التي تطلق بين الحين والآخر بعيدة عن الرقم الصحيح المتعلق بحجم كتلة العمالة لدى الأطفال سواء قبل الأزمة أو أثناءها، ويعد غياب دور الجهات الوصائية أهم أسباب هذا العجز المرتبط بشكل رئيسي بالإحصائيات والمعلومات الدقيقة عن هذه المشكلة.
فعندما يظل الطفل عرضة للمشاكل الاجتماعية التي تبدأ بجهل المجتمع لقوانين الحياة، فالتفكك الاسري يأتي نتيجة طبيعية لعدم تفاهم الأبوين، الذي يؤدي إلى الطلاق، ويكون ضحيته في النهاية الأطفال الذين غالباً ما يتعرضون للإهمال وسوء المتابعة من الأبوين، فيجد الطفل نفسه أمام تعاليم الشارع وأفكاره وأخلاقياته السيئة، التي يعتبرها الطفل أحياناً هروباً شرعياً من الواقع المرير الذي عاشه في كنف أبويه ومن الضغط وتأثير العادات السيئة التي كان يعامل بها.
أما من الجانب الاقتصادي فإن أبز أسبابه هو تردي المستوى المعيشي للمواطنين نتيجة ضعف الأجور والرواتب التي تتأكل بسرعة بسبب ارتفاع الأسعار وسوء الأحوال المعيشية، مما يؤكد قلة الدخول وعدم إمكانية أن يؤمّن الأجر العيش بكرامة، مما يدفع الأطفال إلى سوق العمل سواء ضمن الدوام المدرسي أو بعده، لمساعدة الأهل والتخفيف من حجم الأعباء، وهذا مرتبط بعدة أسباب منها ارتفاع مؤشرات الفقر وازدياد أعداد الفقراء في المجتمع من سنة إلى أخرى، بسب قلة فرص العمل، فزادت أعداد جيش العاطلين عن العمل.
في قلب مدينة اللاذقية الأطفال يبيعون الدخان المهرب، والخبز أمام الأفران، ويقفون على إشارات المرور يمسحون زجاج السيارات ويفترشون مقاعد الحدائق ويبيعون الشاي والقهوة مقابل ليرات قليلة، وهذا عدا ما خفي من ممارسات قد تطولهم في ليل المدينة. هم لا يتسولون فقط هناك من يعمل بهم، وربما يكون المصطلح منفراً، أطفال مرميون أمام سيدة، ثم تجد طفلاً منهم في يد فتاة بمكان آخر، أو أطفال بلباس قذر يتوسلون زبائن مطاعم السندويش أن يطعمهم أحد.
صور أكثر من مفزعة تثير إشارات استفهام كثيرة عن أدوار مؤسسات الرعاية التي يجلس موظفوها في مكاتبهم بانتظار الراتب آخر الشهر، أو فرصة لإطلالة على شاشة التلفزيون في حفل مدرسة نموذجية والحديث عن الطفولة التي يسعون لحمايتها ودعمها.
أخيراً: لابد من القول إن الحلول الكفيلة بتخفيف هذه الظاهرة والحد منها، هي التركيز على تنفيذ القوانين التي تمنع تشغيل الأطفال تحت سن معينة، ومنع ظاهرة التسرب المدرسي سواء في الريف أو في المدينة وتقديم أنشطة اجتماعية ورياضية، ورفض تشغيل أي طفل من قبل المتعهدين، والتفكير الجدي من الحكومة في ربط الأجور بالأسعار، والمناقشة الجادة للأسباب التي أدت إلى عمالة الأطفال بسبب الفقر والحاجة وظروف الأزمة ، وتقديم المساعدات الحقيقية لا الوهمية للكتل والتجمعات الفقيرة قبل أن تستفحل المشكلة ونصبح عاجزين عن تقديم الحلول، كما حصل في الكثير من المشاكل التي وصلت إلى حدود كوارث الوطن واقتصاده الوطني.
فهل يستيقظ هؤلاء الأطفال من نومهم فيجدون أمامهم كل الطرق معبدة، ويحق لهم الحلم والتأمل والتفكير بغد أجمل، كغيرهم من بني البشر؟
أم ستظل المشكلة عالقة لنجد أنفسنا في النهاية أمام أزمة في غاية الخطورة والأبعاد، ويكون أساسها فلذات أكبادنا بكل محاورها، اقتصادياً واجتماعياً وقانونياً وتربوياً…!